عندما يكون "أبغض الحلال" حل أخير للمشاكل الزوجية

مختصون وصاحبات تجارب: الطلاق يحوّل المرأة إلى كائن منبوذ

 

 

 

الرؤية – عزة الحسيني

اتِّفق عددٌ من المُختصين ومن النساء صاحبات التجارب في هذا الشأن على أنَّ الطلاق يُعد حلاً لمشكلة عدم التوافق الفكري والاجتماعي بين الطرفين وليس امتهاناً للمرأة رغم كونه يأتي كحل أخير واضطراري للمشاكل الأسرية، وأكدوا أنّه مشكلة اجتماعية تنعكس آثارها سلباً على المجتمع وتؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية على أفراد الأسرة وخاصة الأطفال.

كما أنَّ المُطلقات يواجهن عند فشلهن في تجربة الزواج العديد من العراقيل التي تؤدي إلى الضغوطات النفسية والاجتماعية، حيث تتحول حياة المطلقة إلى بيئة غير صالحة للإنجاز ومواصلة العيش، وتتنوع أسباب هذا القرار الصعب في المجتمع العماني بين المادية والعائلية بينما تستمر معدلات الطلاق في تزايد ما يُؤثر سلباً على الجميع.

في هذا الشأن قال محمد العامري – إمام وخطيب: إنّ الإسلام نظر إلى الطلاق باعتباره حلاً لمُشكلة ولم ينظر إلى المرأة باحتقار أو امتهان، يأتي هذا الحل في مؤخرة الحلول فيما يتعلَّق بالمشاكل الزوجية فقد ذكر الله سبحانه وتعالى حلولاً للمشاكل الزوجية قبل اللجوء إلى الطلاق.

وتابع بالقول: إذا كان الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية قرار لابد من اتخاذه، فعلى الرجل أن يتأكد أنّه هو الحل الأخير خاصة وأنَّ الكثير من النزاعات والخلافات الزوجية تكون مؤقتة وذات طبيعة عاطفية وهو مطالب بالتَّريث.

 وأضاف العامري أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل الطلاق ثلاث مرات وليس مرة واحدة وهذا يدل على اهتمام الإسلام بالأسرة المُسلمة والمُحافظة عليها من التشتت والفرقة فقال تعالى (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ..). وجعل للمرأة اللجوء إلى القضاء في حال تضررها من الزوج فإما أن تفتدي نفسها أو يُطلقها القاضي.

وأشار إلى أنَّ التعامل مع المطلقة في عهد النبي وصحابته كان يتم في إطار من الاحترام والتقدير، فما أن تنقضي عِدة المطلقة حتى تجد من يخطبها، وليس كل طلاق منشأه المرأة إذ قد يكون بسبب الرجل فبعض الرجال يثور غضبهم فيطلق زوجته لأتفه الأسباب، والمرأة المطلقة لها احترامها وتقديرها، ونظرة بعض أفراد المجتمع السلبية لها دلالة على القصور في فهم الدين وعدم التفقه فيه.

 

 

 

                  الطلاق في المدن والقرى

وتحدث د.خلف العزري – مدير لجنة التوفيق والمصالحة بنزوى عن الطلاق كونه مشكلة اجتماعية تنعكس آثارها سلبًا على المجتمع وتؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية على أفراد الأسرة وخاصة الأطفال المهددين بالانحراف لبعد الرقابة الأبوية عنهم.

وأشار إلى تفاوت نسبة الطلاق بين محافظة وأخرى مؤكداً أنّه يقع في المحافظات الكبيرة والمدن الكبيرة بينما يندر في القرى.

وبين أنَّ حدوث الطلاق في محافظة الداخلية على سبيل المثال أقل نسبياً عن محافظة مسقط، وذلك لما تتمتع به من عادات وتقاليد ولرسوخ القيم والمفاهيم الدينية، إلا أنّ ذلك لا يعني أن ظاهرة الطلاق قليلة بل على العكس فهي في ازدياد مستمر وخصوصاً في السنوات الأخيرة، ولا يوجد لدى لجنة التوفيق والمصالحة بنزوى إحصائية دقيقة عن نسبة الطلاق في هذه الولاية والولايات التابعة لها.

وتطرق العزري إلى أسباب الطلاق في المجتمع العماني فقال: تتنوع أسباب الطلاق في السلطنة بين العائلية والمادية علماً بأنّ الجيل الجديد من الشباب لا يعي خطورة التَّسرع أوالنتائج المُترتبة على الطلاق مما قد يكون سببًا في زيادة معدلاته.

وذكر أنَّ الاختلاف الثقافي بين الزوجين سبب للطلاق فمثلاً قد يكون لدى الزوجة شهادة جامعية بينما الزوج لم يكمل تعليمه، إضافة إلى عدم التوافق الفكري وفارق السن بين الزوجين. كما أنَّ تعدد الزوجات أحد أسباب حدوث الطلاق في المُجتمع العماني، إضافة إلى أسباب أخرى مثل عدم استقامة الزوج وممارسته لأفعال خارج دائرة العُرف والدين كتناول المسكرات، وتتفاقم هذه المشكلات إلى أن يصل الأمر إلى الطلاق، ويمكن النظر إلى جهل الزوجين بالأمور الشرعية وما يجب على كل منهما القيام به تجاه الآخر كسبب من أسباب الطلاق، إضافة إلى عدم وجود استعداد لتحمل مسؤولية الأخطاء أو الاستعداد للتنازل لمصلحة الطرفين.

وأشاد بدور لجان التوفيق والمصالحة في  تقديم حلول ناجعة للزوجين للتقليل من نسبة الطلاق وذلك حسب كل مشكلة وحيثياتها، مؤكداً أنّ اللجنة لا تألو جهداً في تقديم الإرشاد والنصح للزوجين من أجل استمرار الحياة الزوجية ولا ينعكس هذا الخلاف على الأبناء.

في دائرة الاتهام

وقال أحمد أمين الشريف – أخصائي علم نفس علاجي بمركز همس الأمل للتأهيل إنّ المرأة المطلقة تُعاني من الضغوط  النفسية والاجتماعية فهي في لحظة قد وجدت نفسها تواجه ما كانت تخشاه، وهو شبح الطلاق الذي يُهدد علاقتها الزوجية، وتحتاج المرأة بعده إلى وقت طويل حتى تستطيع أن تتكيف مع الحياة الجديدة وتواجه الكثير من الصعوبات لاستعادة التوازن المفقود بسبب فقدان الزوج.

 وبين أنَّ البعض يستغرقن وقتاً طويلاً لتجاوز آثار الصدمة ومراجعة إخفاقاتها والاستفادة من التجربة، لكن في الأغلب الأعم تصاب المرأة بعد الطلاق بالاكتئاب وتعاودها مشاعر الثورة والغضب والقلق والحزن والألم والاكتئاب والشعور بالمرارة .

ويُشير إلى أنَّ أهم الآثار السلبية للطلاق تتمثل في الضغوط التي تواجهها المرأة من المجتمع، مما يدفعها لمحاولة الهروب من المواجهة أو فقدانها لثقتها في نفسها، وإذا استجمعت شجاعتها ورتبت أوراقها وقررت الخروج من حالة الصدمة والاكتئاب والانعزال ومواجهة المجتمع، ستُصدم بواقع أكثر مرارة قد يفرض عليها ممن حولها، بسبب النظرة السائدة تجاه المطلقة والتي قد تدفعها إلى الانعزال من جديد، والهروب من الحصار.

  وأكد أنَّ نظرة المجتمع القاسية للمرأة المطلقة هي المسبب الرئيسي لما تعانيه من ضغوط نفسية فبعض المجتمعات تحولها إلى كائن منبوذ حتى وإن كانت المرأة مظلومة في هذا الطلاق، لكنها تظل دائماً في دائرة الاتهام، وقد تنظر إليها العائلة على أنها عار على الجميع.

نظرة قاصرة

ويقول أحمد العبري -أخصائي اجتماعي بمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم : "لو نظرنا إلى المطّلقة والتركيز عليها أكثر من المطلّق لوجدنا ضمنياً أنها تؤكد نظرة المجتمع الذكورية، وترفض تحميل الرجل مسؤولية الطلاق أو كونه السبب الرئيسي في عدم التوافق، وهذه النظرة لها أساس تاريخي لا يمكن إنكاره، أو تجاهله. وفي المجتمع العماني نلمس نفس النظرة كونه أحد المجتمعات الشرقية، مع بعض الخصوصية بطبيعة الحال ".

وفسر النظرة التي ينظر بها المجتمع العماني للمطلقة وما إذا كانت قادرة على بدء حياة زوجية جديدة، أنها تعتمد على أمور كثيرة منها الأسباب التي أدت إلى الطلاق من حيث ارتباطها بالزوج أو الزوجة، وكذلك المكانة الاجتماعية للمرأة، والمستوى التعليمي ووضع المرأة إن كانت عاملة أو غير عاملة وما إلى ذلك. واستطرد :"إذا كانت المطلقة مثلاً ذات مكانة اجتماعية أو موظفة، وذات خلق حسنٍ معروف لدى أفراد المجتمع، فذلك من شأنه أن يمنحها عناصر قوة تستطيع من خلالها بدء حياة اجتماعية زوجية جديدة، والارتباط بشريك حياة جديد.

وركز على ضرورة الانتباه إلى أنّ الطلاق في وقتٍ مبكّر يختلف عن الطلاق بعد سنوات من الحياة الزوجية والإنجاب، من حيث التأثيرات النفسية على المطلقة، ومدى الخوف من المستقبل. والحقيقة في الموضوع، أنَّ الرجال بشكل عام يميلون إلى الارتباط بغير المطلقات لأسباب عديدة منها النفسية والاجتماعية وغيرها، مع التركيز على عامل العُرف الاجتماعي السائد في المجتمع، والفكرة المجحفة المرسومة حول المرأة المطلقة، وكأنها وقعت في جُرم استحقت لأجله النّفي والإقصاء.

وفي الجانب المقابل أشاد بالرعاية والاهتمام الحكومي الذي حظيت به المرأة المطلقة في مجتمعنا العُماني، ومايترتب عليه من تخفيف ألم الانفصال، والأعباء المُترتبة على نفقات الأبناء والمعيشة، بجانب بعض المؤسسات الخاصة، ولكنه لا يعتبرها علاجاً مباشراً ما دامت التأثيرات تنصبّ في الجانبين الاجتماعي والنفسي على المطلقة، إلا بوقوف المُجتمع والأسرة بجانب المطلقة إنصافاً وعدلاً.

أبعض الحلال

وتقول أسماء سيف: كانت حياتي الزوجية تسير على ما يرام، وكان زوجي يراعي حقوقه وواجباته الزوجية وكذلك أنا واستمر زواجنا ما يقارب 10 سنوات، ونحن نعيش في منزل خاص بنا، طوال تلك المدة لم أنجب لأسباب خارجة عن الإرادة، مما أضطره إلى الزواج بغيري ولم أكن راضية عن الأمر فطلبت الطلاق، لم يوافق في بداية الأمر إلا أنّه قام بتطليقي مؤخرًا.

وفوجئت بردود أفعال مختلفة ممن حولي، أغلبها تلومني على ما جرى رغم أنّ من حقي اختيار الحياة التي أعيشها، كذلك تلاحقني نظرات الشفقة والفضول والاتهامات أينما ذهبت.

وتتحدث علياء عبد الله عن تجربتها في الزواج والطلاق فتقول : تزوجت وأنا في الثامنة والثلاثين، وهذا العمر لا يعد بنظر المجتمع مناسباً للزواج لذا من تقدم لخطبتي كان في عمر السبعين ولديه زوجة وأبناء كبار .. بعد الزواج تبين لي أنّه لم يكن يريد زوجة بقدر ما كان بحاجة لمن تتحمل مسؤولية واجباته المنزلية فقط وكان صعب المراس أيضًا وبعد أن قضيت معه قرابة السنة طلبت الطلاق .. فطالبني بالمهر .. وتمَّ الطلاق ولكنني الآن محط سخرية الأهل الذين كانوا يرونني لا أصلح للزواج واتضح لهم ذلك من خلال تجربتي الفاشلة.

حكم جائر

وتروي سلامة سعيد قصتها مع تجربة الطلاق: أنا ككل النساء .. تزوجت في مقتبل العمر من ابن عمي إلا أنّه بعد مرور الزمن حدثت بعض الخلافات التي جاء على إثرها الطلاق وأنا لازلت شابة صغيرة ولكن لا أحد يُقبل على خطبتي لأنني بنظرهم مطلقة ولا أصلح لتكوين أسرة وهذا ما يصلني من المقربين والجيران مما عزلني عن المجتمع والجلسات النسائية. ولكنني الآن أكمل دراستي حتى أرسم لنفسي صورة مُغايرة عن تلك التي يراني بها المجتمع .

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك