فشل زواجها فواجهت غضب الجميع

الطلاق "جريمة " لا يغفرها المجتمع حتى بالزواج من جديد

 

 

 

 

 

الرؤية – أجرى التجربة والاستطلاع : عزة الحسيني

 

يبدأ كل شيء مع تجمع فتيات الجيران في غرفة واحدة، يُشكلن أوشحتهن على هيئة بيت صغير ويجمعن ألعابهن ويخترن أسماء لها، يتبعن القواعد المعروفة للعبة "بيت بيوت" والتي تُعبّر عن فطرة الأمومة عند كل فتاة صغيرة...

 لم تختلف تلك البدايات مع ( ل،ح ) كانت تشبه كل فتيات جيلها ...تشكل بيتاً أيضاً وتسمي دميتها سارة وتضع الطين الممزوج بالماء في إناء كبير لأنّها قررت أن تعد الخبز لعائلتها الصغيرة بحلول المساء...

هكذا كان لهوها وطريقتها في الاستمتاع كل يوم منذ عودتها من المدرسة وحتى النوم..

كبرت (ل.ح ) وأصبحت في المرحلة الثانوية، كانت على قدر كبير من الجمال، هادئة ومُنعزلة..

 ويبدو أنَّه رغم هذه العُزلة التي لجأت إليها منذ وفاة أمها وهي في التاسعة من عمرها، إلا أنّها في نفس الوقت كانت تبذل قصارى جهدها لإرضاء كل من حولها..

تعود إلى المنزل تستريح قليلاً ثم تعاون زوجة أبيها وتحاول مراراً أن تقنع أباها باختيار تخصص جامعي خارج المدينة التي تسكنها للدراسة، إلا أنّه كان مصرًا على أنّ الثانوية كافية تماماً وأن مصيرها الأجمل سيكون في بيت الزوجية، لم يكن لدى الأب ذو السبعين عامًا ما يمدها به من عون أو قدرة على التواصل معه..

قبل أن تُكمل الثانوية العامة تقدَّم لخطبتها رجل يعيش في بلد مجاورة، وجده والدها مناسباً، فهو يعمل في مجال الهندسة ويملك منزلاً كبيرًا وسيدفع مهرا كبيراً، لم يترك لها مجال للاختيار، كما أنّها لم تكن تعلم ماهية حقوقها ولا تملك حق رفض هذا العرض المغري، وافقت وهي راضية وفرحة ...كان الأمر يبدو بالنسبة لها بسيطاً ومبهجاً ..

اختارت فستانها وقاعة الأفراح ووضعت قائمة للمعازيم وكانت تبدو سعيدة جدًا وهي تدعو زميلاتها لحفلها الذي كانت تعد له منذ الطفولة.

حانت الليلة المنتظرة .. الحلم الذي يتحقق في نهاية الأمر .. يشبه كثيرًا نهاية فيلم لأميرات "ديزني"

ومضت بها الحياة ...وجدت نفسها تعيش في غرفة ومنزل يسكنه الأب والأم وإخوة الزوج، ورجل ذو علاقات متعددة ..

دورها في الحياة تمَّ اختصاره عند حدود التنظيف والترتيب ورعاية الأب والأم ..

أكملت ... وتحملت كل تلك التفاصيل المُرهقة للروح والجسد ..

إلا أنَّ الأمر تطور إلى المزيد والمزيد من المُعاناة، فقد بدأ زوجها يضربها، بل إنّه واصل اعتداءاته حتى أجهضت حملها، وعند هذه المحطة الفارقة، قررت أن تضع حدًا لكل شيء وأن تطلب الطلاق وتعيد له مهره.

لم تجد أحداً يقف في صفها ...عندما طلبت المُساندة من خالها رفض بحجة أنَّه ليس ولي أمرها وكذلك أعمامها، فاضطرت للجوء إلى القضاء الذي منحها حريتها، فعادت إلى بيتها وبلدها دون أن تحمل دميتها سارة في يدها ... وبدا بيتها ضعيفاً يشبه تلك البيوت التي كانت تشكلها بالأوشحة.

مرَّت الأيام مُتشابهة ومعبأة بالملل والإرهاق، وهي تحاول أن ترسم ملامح جديدة لحياتها وسط رفض المجتمع لها كإنسانة، يراها ارتكبت جريمة ...كلمات أبيها مؤلمة تتكرر كل يوم، كذلك من حولها، واستمرت المُعاناة، استمرت المُضايقات والضغوط من الجميع، بينما القلق والاكتئاب والخوف يأكل جزءاً من روحها كل يوم، فانعزلت تمامًا في غرفتها الصغيرة لوقت طويل حتى تتعافى من إحساسها بالذنب الذي زرعه فيها المجتمع، قررت إتمام دراستها لتجد ما تنشغل به، وواصلت حتى حصلت على الشهادة، وأصبحت موظفة في إحدى الدوائر الحكومية، وما كان يسكت أباها قليلاً هو المال الذي ترسله نهاية كل شهر.

بلغت من العمر 33 عامًا ولم يتقدَّم أحد لخطبتها ولم ينس المجتمع "ل" المطلقة وذلك لأنّها تركت قريتها الصغيرة وانتقلت للعيش في المدينة التي تبعد ثلاث ساعات عنها.

بعد أن عاد ابن خالها من رحلته الطويلة التي أكمل خلالها الماجستير، تقدَّم لخطبتها من أبيها، كان متزوجاً ولديه 3 أطفال، حاولت بكل الطرق أن ترفض العرض كي لا تكون سببًا في هدم بيته ولكنها اضطرت في النهاية على الموافقة حتى لا يضرم المجتمع ناراً أخرى تحرق ما تبقى من قدرتها على الحياة.

تزوجت " ل " واستقر بها الحال، كان ابن الخال عادلاً وأميناً لا يُقصر معها، وكانت هي كذلك واستمرت الحياة، رزقت بطفلة جميلة اسمتها سارة، وحافظت على حلمها في بيت آخر لا يشبه تلك التي كانت تصنعها بألعابها المسائية الصغيرة ...

بينما حافظ المجتمع على موقفه منها...

لم ينس أحد طلاقها... وعندما باركوا زواجها قالوا : "جزاه الله خير ...ستر عليها" !!!

 

 

تعليق عبر الفيس بوك