"عكاظ".. والسياسة الخارجية لعُمان

 

 

خلفان الطوقي

 

تمَّ تداول الرابط الإلكتروني على المستوى الخليجي وبشكل مُكثَّف وخاصة بين المُهتمين بالسياسة الخارجية للسلطنة للقاء الصحفي للإعلامي السعودي المتألق اﻷستاذ جميل الذيابي في جريدة عكاظ ولقائه مع الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية مَعَالي يوسف بن علوي.

 

استمتعت بقراءة المقالة أكثر من مرة لعدة أسباب وأهمها أنّه كان لقاء صريحاً وبلغة سلسة وفي توقيت مُناسب، خاصة وأننا نمر بمرحلة عصيبة على مستوى الوطن العربي واﻹسلامي، وأهم ما يًميز هذا اللقاء أنَّ من قام به إعلامي نبيه وذكي ومُتابع للأحداث ولا يمثل نفسه فقط، بل يمثل آراء ووجهات نظر الكثيرين من عامة النَّاس على مستوى الخليج العربي وخاصة المتابعين للأحداث السياسية والاقتصادية وما تمر به المنطقة من منعطف خطير.

 

هذه المقابلة المطولة كانت فرصة ذهبية للسلطنة من خلالها يمكن إزالة الشوائب ودحض الشائعات التي تخيم على أذهان بعض العامة من أشقائنا الخليجيين الذين لم يتعرفوا على عُمان عن قرب ولم تتح لهم فرصة قراءة التاريخ العماني القديم والحديث، وللأسف فإنّ بعضهم ما أن يتلقوا اﻷخبار التي تخص السلطنة وخاصة المسيئة منها دون تمحيص أو تحليل وخاصة من الجرائد الصفراء المنتشرة التي لا تحمل مصداقية البتة، يبدأ بعضهم بتصديق هذه الأخبار بل وللأسف الشديد يتم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي.

 

اللقاء الصحفي تميز بالصراحة المطلقة من الطرفين وبدون تكلف، ولن يجده المهتم أو القارئ مميزاً إلا لأنّه تميز بشفافيته الحاوية للكثير من المعلومات والكاشفة لبعض المغالطات التي يتداولها المتصيدون وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي ولولا إصرار الإعلامي المتمرس لبقي الحوار دبلوماسيًا ولم يحمل أية قيمة مضافة لقرائه من الخليج العربي.

 

فباﻹضافة إلى تميز اللقاء بالشفافية فإنّه تميز أيضًا بأنّه أزال الكثير من المغالطات ودحض الشائعات عن السياسة العمانية التي تعمل في العلن وبمعرفة الجميع، فمن قرأ التاريخ العماني من آلاف السنين ووصولاً للنهضة القابوسية سيجد أنَّ الحكام العمانيين منذ الأزل ينتهجون منهج  السلم ويحترمون اﻷشقاء والجيرة والحدود ويسعون للتعاون في حدود البر والتقوى واحترام القرارات السيادية للبلدان، ويسعون إلى وساطات تسعى لجمع الشمل، وللمتتبع للثوابت العمانية منذ 1970م بقيادة سلطان البلاد قابوس بن سعيد - حفظه الله وأطال في عمره - سيجد عشرات المبادرات بدون ضجيج أو فرقعات إعلامية.

هذا الحوار الصحفي تميز أيضًا بأنّه لم تجريه جريدة عُمانية بل جريدة خليجية واسعة الانتشار وتتميز بمصداقية يشهد بها الجميع كجريدة عكاظ، لذلك تعتبر فرصة ساحنة للقراء من أشقائنا الخليجيين بأن تتضح لهم أهم النقاط التي يعتقد البعض وخاصة غير المطلعين أنها تحمل شيئاً من الضبابية بيننا وبين بعض دول المجلس، وأهم هذه الجزئيات التي وضحها معالي بن علوي أنَّ عُمان تعي المعنى الحقيقي للعمق الخليجي وأهميته، وأن العلاقات الخليجية ستستمر بالطيبة مهما مرَّت عليها خلافات في جزئيات من وجهات النظر، وأن عدم تدخلها في حرب اليمن وسوريا إنما لدواعِ أمنية وسياسية بعيدة المدى، وأن علاقات عُمان بإيران هي جزء من التزامات السلطنة بالمحافظة على أمن الخطوط الملاحية الهامة وصمام أمن للجميع وخط رجعة لأيّ خلاف قد يحصل في المستقبل، وبالتالي هدف السلطنة شفاف وهو تجنيب المنطقة عواقب الحرب المُدمرة التي لا تُحمد عقباها ونتائجها التي قد تستمر لسنوات والتي ستستنزف مواردنا البشرية والمالية ومكتسباتنا التاريخية.

 

المُقابلة الصحفية الصريحة أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أنَّ عمان ستظل بلد سلام وتسامح ولن تسعى مهما كان لتكون نقطة تهريب للسلاح أو زعزعة أمن الخليج، بل ستظل تسعى دومًا لإيجاد الحلول السلمية بين اﻷطراف المختلفة إيماناً بنظرتها الحكيمة والمتميزة ببعد النظر، وإن موقفها الحيادي ليس خيانة لأحد من دول الخليج بل تحقيقاً للثوابت السياسة العمانية منذ الأزل، وهو ألا تكون مناصراً لدولة على حساب دولة أخرى، وأنها ساعية مع أيّ دولة خليجية أو عربية أو صديقة وخاصة فيما يخص التنمية المستدامة وأنّها مستعدة لأيّ تعاون يُعزز من مسيرة الخليج العربي ويزيد من متانة العمق الخليجي الساعي لتنمية وتطور المنطقة وشعوبها حضارياً وفكريًا وتنمويًا.