أين الاندية الاجتماعية؟

 

 

وليد الخفيف

 

كثيرا ما ألاحظ لافتة عريضة على أبواب الأندية تجذب أنظار المارة، بحروفها البارزة وألوانها الجذابة؛ فاللافتة المدوَّن عليها "نادي ثقافي اجتماعي رياضي" لا تحقق ما تحمله شكلا وموضوعا؛ فبكل أسف لا توجد أندية اجتماعية بالسلطنة، رغم أنَّ بعضها يعود زمن تأسيسه لأربعينيات القرن الماضي، غير أنَّها فتحت أبوابها وضخَّت موازناتها من أجل كرة القدم لفرقها المشاركة بالمسابقات المحلية، بجانب ممارسة خجولة لبعض الألعاب المصاحبة إن نَجَت من آفة تجميد النشاط.

فما تقدِّمه معظم الأندية على الصعيد الاجتماعي شحيح إلى مُعدم، وهو ما كان سببا في إحجام الكثيرين من الشباب عن نيل عضوية الجمعيات العمومية حتى تراجعت أعداد المنتمين إليها بشكل واضح، طالما أنه ليس هناك مقابل أو ميزة يقدمها النادي للعضو مقارنة بغيره.

وما دَعَاني لكتابة هذا المقال يعود الفضل فيه لبعض الشباب صغار السن، بعدما استمعتُ لحديثهم عن بُعد خلال زيارتي لأحد الأندية "الغنية"، فرأيتهم يجمعون قيمة إيجار الملعب ذي العشب الصناعي ليمارسوا كرة القدم لمدة ساعة واحدة فقط، وإن تبدو غير كافية لإشباع رغبتهم في ممارسة لعبتهم المفضلة؛ فالساعة لم تطفئ حماس تحديهم المشتعل الذي أفصح عنه بعد ذلك الملعب المستأجر بقيمة مالية تتخطى حدود إمكانياتهم الفردية، لا سيما وأنهم ما زالوا في مرحلة التعليم الأساسي؛ فلاحظت صعوبة بالغة في جمع المبلغ المقدر للإيجار، ومسؤول النادي كان همه الحصول على القيمة الإيجارية دون النظر لأي اعتبارات أخرى لأنه في الأخير ليس صاحب قرار، وينفذ ما يُكلف به من قبل مجلس إدارته، فأجابني الموقف عن سؤال لطالما سألته لنفسي وأبحر فيه المحللون بفصاحتهم: ما الداعي أن يٌقدم أحد هؤلاء الشباب على سداد قيمة عضوية الجمعية العمومية في نادٍ ما؟ فإذا اعتبرنا مثلا أن أحدهم نال تلك العضوية "الهشة"، أو قام أحد المتبرعين أو الراغبين في نيل منصب إداري بسدادها عنه ونال هذا الشاب عضويتها، فما هو العائد والمردود الذي يجنيه إذا لم يكن لديه أي تطلعات لنيل منصب تطوعي؟! فكثيرا منهم يحملون أهدافا بسيطة تكون مقصورة على ممارسة لعبته المفضلة دون مقابل حتى يصبح من أصحاب الدخول. إذن، فما هي الخدمة التي يقدمها النادي -الذي يحصل على دعم حكومي- لشباب الحيز السكاني المقام فيه، فاذا كان النادي لا يوفر خدمة ممارسة اللعبة للشاب فمن الأحرى أن يرفع اللافتة الموضوعة أعلى أبوابه، وعليه استبدالها بنادي استثماري، وإن كانت معظم المشاريع الاستثمارية التي كشف النقاب عن رسوماتها منذ سنوات وخُصِّصت لها مساحات كبيرة في الصحف اليومية ما زالت حبرًا على ورق، أو بالاحرى مبنى جميل على كارتون ملون.

فالأندية يجب أن تكون قبلة الشباب ومقر استقراره واحتوائه؛ رغبة في إنتاج مواطن نافع لمجتمعه ووطنه، مُدركا لقيمة الاستقرار الذي تنعم به ربوع بلاده، مقدرا لمساعي الجهات الساهرة على تحقيق هذا الهدف، لا أن تكون عبارة عن مكان يستأجر فيه الشاب الملعب لمدة ساعة إذا توفر في جيبه ثمنها على أن تنقضي العلاقة بينها بعد انقضاء الساعة، فإذا لم تتوفر لهذا الشاب تلك القيمة فما هو المكان الآمن على فكره وتوجهاته وبناء رؤيته السياسية والاجتماعية التي لا تزال في مهدها، ومن السهل التأثير عليها!! وهل الساعة مدة كافية على وجه العموم؟ فإذا لم تضع الأندية نصب أعينها بناء شخصية الفرد من كافة جوانبها، والسعي لصقل المهارات الرياضية والفكرية والثقافية والاجتماعية، وتعزيز العادات والتقاليد.. فلماذا تأسَّست؟!

ومن الإنصاف ختاما الإشادة بمشروعات الرياضة المجتمعية التي تنظمها وزارة الشؤون الرياضية على مدار العام، وتجوب بها كافة أنحاء السلطنة، فتلك المشروعات الناجحة تحقق مبدأ "الرياضة للجميع".