بعض النساء يواصلن كفاحهن للحصول على فرص عمل في قطاعات نوعية

مختصون ومواطنات: عمل المرأة بات من المسلمات بفضل نمو الوعي المجتمعي

التوبية: فرصة العمل تمثل لدى بعض النساء مدخلا لمكانة اجتماعية أفضل

الرواحي: المرأة قد تعاني اضطرابات نفسية نتيجة الضغوط التي تفرضها ظروف العمل

الرؤية - خاص

قال عددٌ من المُختصين والنساء العاملات في مُختلف القطاعات إنَّ وعي المجتمع تطوره بات يتقبل دور المرأة كشريك في التنمية والإسهام في بناء مستقبل الوطن، وسلم المجتمع بأنَّ من حق المرأة اليوم أن تكون حاضرة في مختلف القطاعات إلا أنها لازالت تواجه بعض الاستنكار من فئات قليلة تحاول السيطرة على كل امرأة ضعيفة الإرادة لا تقوى على السعي من أجل تحقيق حلمها. ودعا المختصون إلى تكثيف برامج التوعية والإرشاد وتنفيذ برامج تأهيلية ونفسية للنساء العاملات في مختلف القطاعات.

وقالت الكاتبة شريفة التوبية إنّ عمل المرأة أصبح من البديهيات التي لا يختلف عيها اثنان ومن ضمن ثقافة المجتمع الحديث أن تعمل المرأة كالرجل تماماً، تجاوزنا السلطة الذكورية على الأنثى بعد أن تساوى الجميع في الحقوق والواجبات، ولا نستطيع القول إنّ المجتمع العماني لم يعد متقبلاً لعمل المرأة في قطاعات معينة مثل الجانب الإعلامي أو الأمني، بدليل وجود المرأة العمانية في كافة الوظائف، ربما في السابق لم تكن فكرة عمل المرأة متأصلة وراسخة أو متقبلة كما هي عليه الآن. وقد اقتصر عملها على بعض الوظائف كالتدريس والتمريض مع وجود عدد قليل منهن في الوظائف الأخرى المتاحة في ذلك الوقت وربما يعود ذلك إلى قلة عدد الحاصلات على شهادات علمية من النساء وعدم وجود الوعي بأهمية عمل المرأة وخصوصاً في مجتمع شرقي ذكوري يجد في خروج المرأة واختلاطها بالرجال عيباً لا يقبله وعلى الرغم من ذلك كانت هناك المذيعة والشرطية منذ بداية النَّهضة، والآن المقاعد الوظيفية الشاغرة محجوزة للأفضل من الجنسين والمطلوب الكفاءة والتخصص والقدرة والرغبة الحقيقية وليس هناك أفضلية لجنس على الآخر، ففي كل مكان تجد المرأة، وفي كل موقع من مواقع العمل تكون المرأة موجودة، وهناك تنافس كبير بين المرأة والرجل في إثبات الكفاءة والنجاح والمجتمع يُبارك هذا التنافس ويُشجعه.

وأضافت التوبية أنّ عمل المرأة بات هاجساً يؤرق البعض من الفتيات غير الحاصلات على عمل فالحصول على وظيفة يرتبط لدى البعض بالمكانة التي تكتسبها المرأة من خلال الدور الوظيفي، وترى أن المرأة في وقتنا الحالي تود أن تعمل سواء من أجل إثبات الوجود أو حتى من أجل تحسين الدخل المادي في مجتمع أصبح فيه الجميع خارجاً إلى العمل أو باحثاً عن عمل وفي كافات القطاعات والمهن سواء الحكومية أو الخاصة.

صورة نمطية

وقالت المحررة الصحفية نوال الحجري حول تجربتها العملية في المجال الصحفي: قبل سنوات لم تكن الوظيفة بالمجال الصحفي والإعلامي مرغوبة مثل اليوم، فقد رسخت العديد من الاعتقادات المغلوطة حول المجال في فكر المجتمع، وكأنه مقتصرا على الذكور دون الإناث، لكونه مجالاً مختلط نوعًا ما، بالرغم من أن أغلب المجالات مختلطة في الأساس. وفي وقتنا الحاضر زاد عدد خريجات تخصص الصحافة والإعلام مما يدل على أن الوعي أصبح منتشراً على الصعيد المجتمعي وأن التعريف بمهنية الصحافة والإعلام يصل للناس بالشكل المطلوب.

وأشارت إلى أنّ التحدي الذي يواجه بعض الصحفيات يتمثل في كون أن العمل الصحفي ليس محدداً بإطار زمني ثابت، فتغطيات الفعاليات -على سبيل المثال- أغلبها في غير ساعات العمل الرسمية خلال النهار المعروفة سواء في الجهات الصحفية الحكومية أو الخاصة، وأقصد الجهات التي لا تعمل بنظام المناوبات. إضافة إلى أنّ الكثير من الصحفيات يتركن الوظيفة بعد الزواج، بحجة تكوين عائلة بحاجة إلى وقتٍ وفير من يومها، حيث إنّ العمل بمجالها لا يحدد لها وقتاً معينًا مثل باقي المجالات أو أن الزوج غالباً ما يرفض عملها لكونه متأثرا بالعقلية السابقة حول عمل المرأة كصحفية وإعلامية والسبب هو أنّ عملها يحتم تواصلها مع جهات كثيرة في مجالات مختلفة لأداء عملها وواجبها المهني سواء في عمل التحقيقات أو التغطيات وكتابة الأخبار، بالرغم من أنّ الزوج يعلم بأنّها لا تتعدى كونها علاقات واتصالات مهنية والحديث فيها لا يتعدى دائرة الموضوع الذي تعمل فيه، ولا ننسى أنَّ المرأة يصعب عليها العمل في مناوبات ليلية وأقصد قبل الساعة الثانية عشرة صباحاً والتي تتم في أنظمة بعض الصحف، لتحديث الأخبار ومتابعة المستجدات.

حلقة وصل مفقودة

وقالت الممرضة سماح العريمي: لم يكن تخصص التمريض اختياري الأول فقد كان حلمي أن أصبح جراحة قلب، لكن عند انتهاء الفصل الدراسي الأول في معهد التمريض شعرت بأنني في المكان المناسب ولم أكن على اطلاع ودراية مُسبقة بطبيعة المهام المطلوبة وما إذا كنت سأنجح أم لا. وكان ما يشغلني حقاً سؤال واحد: "هل باستطاعتي إنقاذ حياة الناس كما يعلموننا في المعهد؟"

وأضافت العريمية: الأوضاع مختلفة قليلا الآن، حيث ينظر البعض إلى الممرضة بأنها تقوم بالتنظيف وحمل المرضى وتنفيذ أوامر الطبيب دون أن يكون لها رأي أو تأثير، إضافة إلى ذلك دوام المناوبات والذي يشكل عبئاً وتحديا كبيرا لدى أسر الممرضات؛ نظرًا لأنّ نظام المناوبات يتعارض بشكل كبير مع الحياة الاجتماعية، كما أن مكان العمل قد يبعد مسافة طويلة عن منزلها مما يضطرها للقيادة لفترة طويلة نسبيا. وبالرغم من محاولات مسؤولي الأقسام الصحية بأن تكون أوّل أيام الأعياد إجازة لكل الممرضات العمانيات أو المسلمات بشكل عام، لكن النقص الحاد أو عدد الحالات الحرجة يتطلب استدعاء البعض لتلبية نداء العمل. وتعاني الممرضة من عدم ثقة أفراد المجتمع بقدرتها في مجالها الوظيفي والمعرفي والخبرة التي تمتلكها فبعضهم لا يقتنع أبدًا بما نقول، ويصر على أخذ المعلومات من الطبيب، مما يشكل خللا بحلقة الوصل بين المجتمع والممرضة. ولا أنكر أن بعض الممرضات لا يتحلين بالثقة الكافية لمواجهة المجتمع، إما استسلاماً، أو لأنهن لا يجدن جدوى من الدفاع عن أنفسهن أو تجنبا لجدال لا طائل منه خاصة في الحالات الحرجة. ينظر بعض فئات المجتمع لنا بنظرة دونية وأن مهنتنا تقل بمستواها عن المهن الأخرى أيّاً كانت الشهادة التي تحملها.

ثقافة مجتمعية

وأوضحت دعاء اللواتي باحثة اجتماعية أنَّ عمل المرأة من المواضيع التي نالت نصيباً واسعًا من البحث والمناقشة، نظرا لكون عمل المرأة بصورته الحالية حديث إلى حدٍ ما في بعض المجتمعات ومنها المجتمعات الخليجية. فالمرأة قديماً كانت تعمل في كثير من الوظائف ومنها بعض الوظائف القيادية، لكنها لم تكن الحالة العامة لعمل المرأة، بل كان الشائع هو عمل يحدد على أساس التقسيم النوعي، فهناك وظائف تناسب الرجال وأخرى تناسب النساء، فكانت المرأة سابقاً تعمل في الزراعة والرعي وما شابه ذلك. ومع تغير الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كان من الطبيعي أن تتغير النظرة لعمل المرأة، كما تغيرت النظرة لكثير من الأمور الأخرى. ومع الوقت أصبح من الطبيعي جدا في كثير من المجتمعات أن تلتحق المرأة بالعمل بعد إتمام دراستها، يبقى أن هذا الوقت الذي استهلك في التغيير الثقافي إلى أن وصل الأمر إلى تقبل دخول المرأة ميدان العمل، يجب أن يراعى مثله تمامًا لتقبل دخول المرأة في أعمال ومهن لم يعتد عليها المجتمع بعد، فقد بدأ عمل المرأة بالشكل الحديث بالتدريس والتمريض ونحوهم، واليوم نستطيع أن نرى عددًا لا بأس به في مجالات كالجيش والطيران ونحوهما.

وأشارت اللواتية إلى أن الوقت الذي يحتاجه المجتمع لتقبل هذا التغيير في مجال عمل المرأة أمر طبيعي جدًا، فليتقبل المجتمع الأنماط الجديدة لعمل المرأة لابد أن يمر أولاً بمرحلة رفضها أو استنكارها، ثم مع تجربة بعض النساء لهذه الأعمال ستتغير الفكرة تدريجياً وتدخل ضمن اهتمامات المجتمع، ليستطيع بعد ذلك أن يدخلها في دائرة التقييم، ثم سيتبنى جزء من أفراد المجتمع هذه الفكرة إلى أن تصبح أمرًا عادياً.

وبالحديث عن معوقات دخول المرأة للعمل في ميادين أو مجالات حديثة قالت إنّها العوائق نفسها التي واجهتها المرأة قديما للدخول في ميدان العمل عندما كان مقتصرًا على الرجال، فثقافة المجتمع وما يراه صحيحاً أو خاطئًا لابد أن تؤخذ في الاعتبار، كما أن نسبية النظرة لمدى مناسبة هذه المجالات للمرأة يمكن أن تستثمر لإبراز الصورة المطلوبة والتي ستُساعد في تقبل المجتمع لذلك، وهذا دور الإعلام بكل أشكاله. كما أنّ صناع القرار في مثل هذه المجالات قد يحتاجون للتحلي ببعض المرونة في بداية الأمر عند فرض قوانين العمل للنساء في هذه المجالات، فتجربة امرأة واحدة في هذا المجال حققت نجاحاً ولا تشتكي من معوقات في حياتها العملية والاجتماعية قد تكون أفضل وسيلة لتغيير صورة عمل المرأة في هذه الميادين، ووسيلة عملية ليتقبل المجتمع ذلك.

وعلَّق بدر الرواحي متخصص في علم النفس على صعوبة عمل المرأة في هذه المجالات خصوصًا اللواتي لم يتلقين تدريبًا نفسيا وتأهيلياً بأن العمل وسيلة فاعلة لتمكين المرأة من دورها كشريك في التنمية والمساهمة المجتمعية إضافة إلى كونه وسيلة لتحقيق الإنجاز والإنتاجية. ويوضح أن المرأة قد تعاني من الاضطرابات النفسية نتيجة للضغوط والعجز أمام متطلبات العمل وتحدياته والتي يمكن التغلب عليها من خلال المُساندة الاجتماعية وتقوية الانتماء الوظيفي لديها. ويشدد على ضرورة تحديد المرأة العاملة في هذه القطاعات لأهدافها المهنية والشخصية وترتيب أولوياتها الوظيفية والمجتمعية .

تمكين المرأة

وأكدت زهرة الجامعية مديرة البرامج والفعاليات بشركة تمكين لإقامة الفعاليات وبرامج القيادة والأنشطة الشبابية أن العوائق المجتمعية التي تواجه الفتيات العاملات في مختلف المجالات ونظرة المجتمع السلبية وغير الصحيحة لهن أنّها لا تمثل المجتمع كاملاً فهناك شرائح مختلفة من المجتمع داعمة ومؤيدة لعمل المرأة في كافة المجالات ولكن تتبقى هناك شريحة من المجتمع تنظر إلى المرأة من زاوية ضيقة وذلك لاعتبارات ثقافية واجتماعية وتسعى إلى وضع كل العوائق وتعزيز النظرة السلبية لعمل المرأة في هذه المجالات وعلى الفتاة أن تعزز ثقتها بنفسها بشكل أكبر مما اعتادت عليه وتضع ثقتها وإيمانها بما تفعل حائط صد لكل النظرات أو الأفكار السلبية.

وأوضحت الجامعية أن "تمكين" تسعى لتعزيز قدرات المرأة الداخلية بشكل أكبر من خلال تمكينها من استخدام هذه القدرات بشكل أفضل لمواجهة كل التحديات المجتمعية أو الفردية نسعى أن نصقل كل المواهب والقدرات التي تمتلكها الفتاة كالثقة بالنفس ومعرفة قدراتها الفعلية وتنمية التفكير غير التقليدي وتنمية الإبداع وتوليد العزيمة والإصرار وجعلها الألوية الأولى في سلم الاهتمامات لديها وإتاحة الفرصة لها لتطبيق هذه القدرات واستغلالها الاستغلال الأمثل من خلال البرامج والفعاليات التطبيقية. عبر تمكين منصة لصقل هذه القدرات وإطلاقها بمنظور جديد سعيًا للتطبيق العملي والعمل على تبني الأفكار وتقديم المشورة للنساء حول كل ما من شأنه أن يعزز قدراتهن لتحقيق النجاح الحياتي والوظيفي أيضًا.

تعليق عبر الفيس بوك