رسخوا لثقافة المقاطعة

 

 

خالد بن علي الخوالدي

Khalid1330@hotmail.com

 

انتشرت في الآونة الأخيرة مطالب جماهيرية واسعة وحملات إعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي (الإعلام الجديد) لمقاطعة شركات الاتصالات في السلطنة وتمَّ إرسال رسائل مباشرة وصريحة إلى هيئة تنظيم الاتصالات لدورها الضعيف في هذا الجانب ومطالبات ملحة بإغلاق الهيئة بعد أن تبين أنها حجر العثرة الذي يُعيق انطلاق العملية الاتصالية في البلد، ومع هذا وذاك أرى أن هذه الحملات تشكل مبادرة لنشر ثقافة المقاطعة التي ربما تشمل قطاعات أخرى إذا ما استمر هذا الحراك.

 

وثقافة المقاطعة التي هي فعل أصيل للمستهلك عندما يشعر أنّ مؤسسة أو شركة أو جهة معينة تسلبه حقاً من حقوقه أو تقدم له خدمة سيئة مُقابل مبالغ مالية عالية، كما هو حاصل في قطاع الاتصالات حيث تقدم خدمات ضعيفة جدًا وعروضاً مضحكة وبأسعار مبالغ فيها، كما أنّ هذا الحق يزيد وينمو عندما يجد المستهلك أنّ شركات بعينها تتعمد أن تغشه في غذائه أو دوائه مما يؤثر عليه سلباً كما حصل في الأرز المغشوش، وهذه الثقافة التي تنمو في المجتمع من جهة نظري هي ثقافة صحية حتى يتم إيقاف المؤسسات المسيئة عند حدودها.

 وثقافة المقاطعة قد ينظر إليها بعض السلبيين بأنها غير مجدية وليست مؤثرة وذلك لقصور في نظرتهم وتفحصهم للأمور، وقد تستخدمها المؤسسات التي تطلق عليها المقاطعة لتفريق المستهلكين وتعزيز ثقتهم في أنفسهم من خلال أقسام العلاقات العامة القوية التي تملكها أو من خلال أفراد مؤثرين يتم شراء ذممهم يعملون على نشر رسائل التثبيط بعدم فائدة المقاطعة وغيرها من الوسائل الكثيرة التي سيتقبلها البعض وكأنَّها مُسلمات حقيقية بينما هي زيف وتظليل.

 وثقافة المقاطعة ما تزال جديدة على مجتمعاتنا رغم أنّنا طبقناها في فترات سابقة ولكن بخجل وعدم صدق كامل وإرداة مطلقة من قبل فئات المجتمع حيث إننا قاطعنا المنتجات الدنماركية في فترة من الفترات وأصدقكم إنني لا أزال أقاطع منتجات هذه الدولة وفاءً وإخلاصاً لتلك المبادرة وحبًا للرسول الكريم الذي أسيئ إليه بتشجيع من هذه الدولة، وقد حققت هذه المقاطعة فوائدها في عدد من الدول الإسلامية حتى أجبر تلك الدولة ومؤسساتها على الاعتذار.

 

ورغم تكرار ما سأقوله في هذه الفقرة إلا أني اعتز بتصرف الشعب الأرجنتيني، فقبل بضع سنوات استيقظ الشعب الأرجنتيني، صباح أحد الأيام، وإذا بتجـّار الدواجن والبيض قد اتفقوا جميعهم على رفع سعر البيض، حيث أجمع التجار "الجشعين" على ذلك دون أن يفكروا في لحظة واحدة أنّ هناك من لا يستطيع أن يجد قوت يومه وأن هناك من يعمل طوال النهار والليل ليوفر قوت يومه، واستطاع المواطن الأرجنتيني أن يضربهم في مقتل فعندما ينزل إلى البقالة ويجد سعر البيض مرتفعاً، فإنّه يُعيده إلى مكانه، كان هذا هو حال أغلب المواطنين الأرجنتينيين، وبعد عدة أيام وكالعادة وصلت سيارات التَّوزيع الخاصة بشركات الدواجن لتقوم بتنزيل الكميات الجديدة من البيض، ولكنهم فوجئوا بأنَّ أصحاب البقالات يرفضون إنزال أي كميات جديدة فقام التجـّار بإعادة الكميات إلى مستودعاتهم على أمل أن يعود المواطنون لشراء البيض، فتورط التجـّار "الجشعين" بالبيض الذي تكدَّس في الثلاجات والمخازن والمستودعات والبقالات دون وجود مشترٍ له، وبطبيعة الحال استمر الدجاج في المزارع وواصل إنتاجه من البيض وزاد الطين بلة، وكذلك أصحاب محلات البقالة لم يطلبوا أيّ طبق بيض، فالبيض الموجود لديهم بالأسعار الجديدة مازال عالقًا في الرفوف، وبعد عدة أيام اجتمع التجار واتفقوا على بيع البيض بسعره السابق قبل الارتفاع، ولكن الشعب الأرجنتيني الأبّي رفض أن يشتري البيض مرة أخرى، وذلك لكي يعطواً درساً للتجـّار، فعاد التجـّار وخفضوا من سعر البيض مرة أخرى، ولكن الشعب العظيم استمر في عدم شراء البيض فجنَّ جنون التجار بسبب تفاقم الخسائر، وبسبب ذلك اضطر التجّار الخاسرون وهم مجبرون لأن يبيعوا البيض بربع سعره قبل الارتفاع مع تقديم اعتذار رسمي للشعب في الصحف الرسمية.

إن ما جعل هذا الشعب يتصرف بهذا التَّصرف هو ترسخ ثقافة المُقاطعة لديهم وإيمانهم التام بأنَّ ما يسعون إليه سيتحقق فالمقاطعة ثقافة مجتمع وأسلوب حضاري وسلاح قوي يغني عن الكثير من الأنظمة، وعلينا جميعاً أن نزيد من حالة الوعي بحقوقنا وواجباتنا وأن نجعل المقاطعة سلاحاً مشروعاً في أيدينا، وتذكروا أنّ يد الله مع الجماعة وبالإرادة يتحقق المستحيل، ودمتم ودامت عمان بخير.