مواجهة الظاهرة تستلزم جدية المناقشات والحسم في تطبيق الحلول المقترحة

مختصون: تحديد قيمة المهر يخفف الأعباء المالية المعرقلة ويفتح باب العفة أمام الشباب

البلوشي: قانون الأحوال الشخصية لم يُحدد طبيعة المهر سواء كان حقوقا عينية أو مالية

أماني: المغالاة في المهور تزيد معدلات العنوسة وتعطّل فرصة الفتاة في تكوين الأسرة

الرؤية – عزة الحسيني

قال عددٌ من المُختصين والشباب إنَّ ارتفاع قيمة المهور يُسهم بشكلٍ مُباشر في زيادة نسبة العنوسة في المجتمع وعزوف الشاب العُماني عن الزواج، وهو ما يستلزم تكاتف المؤسسات الحكومية والمُجتمع المدني لإيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، حتى لا تؤدي إلى مشاكل اجتماعية واقتصادية أكثر تعقيدًا. واقترح عددٌ من الشباب حلولاً من بينها تحديد قيمة المهر التي قد تشجع الشباب للإقبال على الزواج.

وقال سالم الراشدي إنَّ الدين الإسلامي جاء ملبياً لغرائز الإنسان فما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا وأوجد لها قناة نظيفة تسري خلالها، كالزواج وحتى يتيسر للناس يسر الله أسبابه وطرقه فجعله ميسورًا بين النَّاس وجاء المصطفى عليه السلام المُبلِّغ عن ربه فحثَّ على الزواج ورغَّب فيه فقال: { يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنّه أغض للبصر ، وأحصن للفرج... }، ويسَّر شروطه ومن أهمها المهر فقد حثَّ على عدم المُغالاة في المهور فقال: "يمن المرأة خفة مهرها، ويسر نكاحها...". وقال في حديث آخر: "إنَّ أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة" وهناك أحاديث كثيرة في هذا الباب، والمهر ليس كما يظن بعض النَّاس أنه يرمز لقيمة المرأة وقدرها وإنما هو رمز لتكريمها وإسعادها فالمرأة ليست متاعاً يُباع ويُشترى بل تقديمه فيه دلالة على عزم الزوج لتحمل المسؤولية، وأداء الحقوق في مُستقبل الحياة الزوجية، والإسلام فرض المهر ليكون رمزا لا ثمناً فليكن شيئاً له قيمة أياً كانت قيمته، فقد زوَّج الرسول عليه السلام أحد أصحابه بخاتم من حديد، وزوج آخر بما يحفظ من القرآن مُقابل أن يُعلم ما حفظه زوجته وهكذا.

أسباب وآثار

وذكر سالم الراشدي في كتابه "غلاء المهور.. الأسباب والآثار وطرق العلاج" قائلاً: إنّ من أبرز أسباب المغالاة في المهور التغير الاجتماعي الذي طرأ على أفراد المجتمع،  من خلال التطور الذي تشهده البلاد حيث كثرت الأموال مع الأفراد مما حول المهور من البساطة إلى التعقيد. وأضاف أنَّ التقليد الذي استولى على مشاعر النَّاس ونفوسهم أحد الأسباب، حيث إنّ التقليد دفع كثيراً من الناس لطلب المهور العالية لا لسبب سوى أنّهم يُريدون ألا تنقص ابنتهم عن ابنة فلان أو فلانة فأوقعوا المجتمع في البدع. فضلاً عن رغبة بعض الأزواج في الظهور بمظهر الغني للتفاخر والتباهي بين أقرانه. وأوضح أنَّ أحد الأسباب يكمن في طمع بعض الأولياء في الحصول على المكاسب المادية من وراء زواج بناتهم، فيأخذون نصيبهم من المهر ويدفعون بالبنت ويجبرونها على الاقتراض من البنوك لكي يوافقوا على زواجها، وهذا من أكل أموال النَّاس بالباطل.

وتحدَّث الراشدي عن الآثار السلبية التي تخلفها مشكلة غلاء المهور ومنها إشاعة الفواحش، وزيادة نسبة العنوسة بل إنها تؤدي إلى تخلخل النسيج الاجتماعي وازدياد المشكلات الاجتماعية داخل الأسرة. واقترح عدداً من الوسائل الناجعة لهذه المعضلة بقوله: لابد من  توعية المُجتمع من خلال التلفاز والإذاعة والنشرات والمجلات والندوات وخطب الجمعة ودروس المساجد وذلك بطرح الموضوع ومحاولة توعية النَّاس بخطر هذه الظاهرة وموقف الإسلام منها. ويجب سن قوانين رادعة تحد من مشكلة غلاء المهور وتطبيقها على المخالفين، وذلك بتحديد الحد الأعلى للمهر. فإذا انخفضت المهور ساد المجتمع العفة والطهارة وكثر المسلمون بكثرة نسلهم، وابتعد الناس عن القروض الربوية والديون وقلَّت المشاكل الزوجية وعاش النَّاس في رخاء.

 آليات قانونية

وقال المحامي رشاد البلوشي: قبل الحديث في موضوع تحديد المهور أو وضع سقف مالي معين لها قانونيا، ينبغي علينا أن نتحدث عن خصائص القاعدة القانونية، وتعرف القاعدة القانونية على أنّها مرنة ومواكبة للتطور الذي يطرأ على المجتمعات وذلك بسبب التقدم السريع الذي يحدث في العالم، ومن الطبيعي أن تعدل القوانين وتحذف ويضاف إليها مواد أخرى وذلك لأجل معالجة مشكلة ظهرت بسبب تعاملات جديدة أو لتنظيم تصرفات أفراد المجتمع بسبب ظهور مناسبات جديدة أو معاقبة مخطئ في جرائم لم يكن ليتوقعها المُشرع بسبب الطفرة التكنولوجية. مشيراً إلى أن تمرير هذه الظاهرة – التي أصبحت ترهق الشاب المقبل على الزواج – على المُشرع العماني أمر يستحق الوقوف عليه والبحث فيه ودراسته دراسة متزنة وعمل استطلاع دقيق فيه، خاصة وأن طبيعة القواعد القانونية تقبل الإضافة – نظراً لخصائصها- في حالة إذا ما أردنا أن نقنن مسألة تحديد سقف المهر.

وأوضح البلوشي أنّه فيما يتعلق بالقوانين العمانية فإنّه لا يوجد ثمة قانون نصَّ على تحديد سقف مالي للمهور وإنما نص قانون الأحوال الشخصية على أن المهر يعد ركناً من أركان الزواج في المادة (16). كما عرفت المادة (21) من ذات القانون على أن الصداق هو ما يبذله الزوج من المال يقصد به الزواج. وأوضحت المادة (22) أن كل ما صح التزامه شرعاً صلح أن يكون صداقاً، الجدير بالذكر أن القانون سالف الذكر لم يحدد طبيعة المهر، أي أن المهر يصلح أن يكون حقوقاً عينية ولا يشترط بالضرورة أن يكون حقوقاً مالية كما سارت الأعراف والتقاليد لدى المجتمع الحالي. ومن خلال استقراء المواد سالفة الذكر أجد من الصحيح قانونياً أن يصدر قرار بتحديد رقم معين للمهور يلزم به الجميع طالما أن المهر يصلح أن يكون أي شيء له قيمة وجائز شرعًا للالتزام به إلا بعد إحداث تعديل تشريعي يأخذ في الاعتبار هذه المسألة من نواحٍ عديدة من بينها تعريف الصداق وتحديد سقف مالي محدد له.

وأضاف البلوشي أنَّه على الرغم من عدم جاهزية البساط القانوني لتحديد المهور ورغم تعارض مسألة تحديد المهور بمبدأ سلطان الإرادة الذي يقضي بأن الإرادة هي القوة الملزمة للعقد والعقد شريعة المتعاقدين ويجب على القانون ألا يكون في أضيق الحدود لحماية النظام العام والآداب فإرادة الفرد يجب أن تكون حرة لأنَّ الفرد وجد فيها قبل المجتمع، والمجتمع وجد لإسعاد الفرد، إلا أنني أجد هناك الكثير من القضايا الشرعية وتحديدًا قضايا الطلاق تقع بسبب ارتفاع المهور والمبالغة فيها، ومن ثم يبلغ مبلغًا في التفريق بين الزوجين هو النتيجة، فولي الأمر الذي يتعب المتقدم لابنته بالطلبات وتحديد مهر مرتفع عليه بطبيعة الحال سيثقل كاهل الشاب ويجعله غير قادر على الالتزام ببقية الالتزامات الزوجية فيما بعد كعدم القدرة على الإنفاق على أسرته، ومن ثم تشتد الخلافات بين الزوجين ويصل الأمر بهما إلى المحكمة.

ويرى البلوشي أنّه يكفي أن يضاف مادة في قانون الأحوال الشخصية تنص على عدم المبالغة أو الغلو في تقرير المهر وأن يؤخذ عين الاعتبار الأعراف السائدة كلٌّ في منطقته ومجتمعه.

نقص المناقشات الجادة

ويرى يونس المعمري متخصص في علم الاجتماع أن قضية غلاء المهور رغم أنها خضعت للمناقشة كثيرًا في شتى وسائل الإعلام ومنابره، وفي جميع الجلسات الشبابية وغيرها، لكن لم تفرز هذه المناقشات علاجات ناجعة حتى الآن، وذلك لعدم جدية هذه الحوارات، وعدم صرامة نتائجها، فالتيار المجتمعي جارف بآلياته وأحكامه ومقتضياته، مما يصعب من التغيير، إضافة إلى أنَّ القضية ليست محصورة في غلاء المهور فقط، إنما في توابع الزواج والزفاف وما قبله وما بعده، مما جعل القضية أكثر تشظياً وأشد صعوبة في العلاج.

وأشار المعمري إلى أنَّ هذا التشظي والتعقد في ظاهرة الزواج سببه تغير في القيم الاجتماعية نحو الأشياء، فأصبح التركيز على قيمة المظهر الاجتماعي، كونه مؤشر على السلم الاجتماعي لها ولعائلتها، وأضحى إثقال كاهل الزوج بالمتطلبات لا بأس به في سبيل تلك الدرجة من السلم. وقال إن ما نحتاجه هو إصلاح منظومة القيم في وعي المجتمع من جهة ووعي الفتيات من جهة أخرى، وذلك بأدوات اجتماعية كثيرة، لكن علينا ألا نتوقع أن هذه الظاهرة ستتغير بسرعة، إنما ستأخذ وقتها في ذلك، وأرى أنّه لا بد لنا من اختيار المجتمعات المحلية التي نبدأ العلاج عليها، فهناك مجتمعات تتقبل التغيير أكثر من غيرها بناء على صلابة مكونات المنظومة الاجتماعية من ليونتها، وأرى أنه لا بد لنا من اختيار الآليات التي نعالج المجتمعات بها، فالمجتمعات البحرية تختلف عن مجتمعات السهول، وعن مجتمعات الجبال وغيرها، والمجتمعات المتعلمة تحتاج لآليات تختلف عن المجتمعات غير المتعلمة.

وشدد المعمري على ضرورة علاج هذه القضية الشائكة من خلال استحداث عمل وطني منظم مجدول ومخطط له، وكل ذلك يبدأ بوعي حقيقي بأبعاد المشكلة وخاصة آثارها السلبية على المجتمع. وقال: دائماً ما أرى أن لوم الشباب على عدم مقدرتهم الوقوف أمام المجتمع في هذه الظاهرة يعد لومًا ليس في محله، فهذه الموجة المجتمعية الجارفة تحتاج عملا مؤسسياً عالياً كما أسلفت.

وأشار أحمد العامري إلى أنَّ مسألة تحديد المهر جزء من الحل لقضية غلاء المهور، فوجود موقف رسمي من المشكلة سيحد منها ويسهم في معالجتها، كما يجب أن تتخذ مؤسسات المجتمع المدني دورا مكملا للموقف الرسمي ويتضح ذلك في ترسيخ القناعات الصحيحة والأفكار الصائبة في العقل الجمعي من خلال الوسائل المتعددة. ويدعو العامري لإنشاء جمعية رسمية تعمل على ترويج فكرة تسهيل متطلبات الزواج، وتسعى لإقامة برامج توعوية تصل برسائلها المتنوعة لمختلف مناطق السلطنة.

احتياجات وتجهيزات

وقال أحمد الحراصي، مقبل على الزواج، إنّ وصول الرجل إلى مرحلة يقبل فيها على الزواج ذلك يعني أن يكون مهيئاً ماديًا بشكل جيد لما يتبع هذه المرحلة من لوازم ومطالب مادية كبيرة ويعد المهر أحد الأمور المؤرقة لأي شاب مقبل على الزواج لكونه غير معروف بين أسرة وأخرى ولما يحكمه من أعراف سائدة. واستطرد قائلاً : لا يقتصر الأمر على المهر وحده فقد يدفع الشاب ضعف المهر لتلبية متطلبات وتكاليف الزفاف ولا يمكنك فعل أي شيء حيال هذا الأمر.

ويرى هشام سعيد أنَّ تحديد المهر سيُساعد ويُشجع الشباب العمانيين على الزواج، نظرًا إلى أنّ أكثر ما يشغل تفكير الشاب هو المهر لأنّه الجزء الأهم في الزواج، وعندما يكون محدداً سيكون بإمكان المُقبل على الزواج توفير التكاليف الأخرى.

أما أماني عبد الله، حديثة الزواج، فتقول إنّ المغالاة في المهور تزيد من معدلات العنوسة في المجتمع وتلغي حق الفتاة في تكوين أسرتها وحياتها الخاصة، فلابد أن يكون للمرأة رأي في تحديد المهر المناسب لها  ولا يجب أن نتغافل عن حديث النبي الكريم :" أيسرهن مهرا أكثرهن بركة". وعن تجربتها تقول: طلبت مهرًا يكفي احتياجاتي وأقمت حفلة صغيرة في منزلي بحضور المُقربين ولم أغرق زوجي في الديون، والمهر ليس كما يعتقد بعض أولياء الأمور بأنّه سيُعزز من قيمة المرأة ولا يعدو كونه وسيلة مادية لتوفير احتياجات الفتاة فقط .

تعليق عبر الفيس بوك