حذَّروا من التأثير السلبي لتطبيقات الهواتف على قيم ومبادئ الأجيال الجديدة

مختصون وناشطون: وسائل التواصل الاجتماعي تنتهك الخصوصية.. والحماية مسؤولية المستخدم أولا

 

< الوهيبي: كثير من حالات الطلاق وتفسُّخ الأسر ترجع إلى الاستخدام السيئ لبرامج التواصل

< الشحي: قانون تقنية المعلومات يُجرِّم الاعتداء على القيم الأسرية عبر شبكة الإنترنت وتطبيقات الهواتف

قالَ عددٌ من المختصين والناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعية، إنَّ هذه المواقع غيَّرت الكثيرَ من مبادئ المجتمع، وصنعتْ ثقافة إعلام جديد لا يأبه للمبادئ والمفاهيم الحياتية التقليدية للأسرة العمانية. ويزداد الإقبال على برامج التواصل الاجتماعي بشكل مُتصاعد مُؤخرا، بعدما باتت هذه الشبكات منتشرة بين الناشئة والشباب؛ مما يدعو للحاجة إلى التوعية وتصحيح المفاهيم وطرق الاستخدام السليمة لهذه المواقع؛ حيث يُعدُّ سوء استخدام هذه التطبيقات مُسبِّبا رئيسيا للخلافات والمشاكل المجتمعية، إضافة إلى تجلِّي مُشكلة انتهاك الخصوصية التي تصدى لها المشرع القانوني مُؤخرا.

 

الرُّؤية - عزة الحسينيَّة

 

 

وقال فلاح بن حمد الوهيبي -خطيب وواعظ ديني- إنَّ الشرعَ نظم العلاقة بين اﻹنسان وربه واﻹنسان وأخيه اﻹنسان؛ وذلك ليحمي اﻹنسان من غوائل النفوس وتبقى هذه العلاقات في الحياة في حالة من التوازن. وهذا النظام جعله الله في صورة أحكام شرعية ذات أبعاد أخلاقية، ومن صور ذلك أنَّ الله أمر الأزواج بأن يحفظوا أستارهم، خاصة فيما يدور تحت مظلة معنى الزواج، يقول الله تعالى في سورة النساء: "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ"، ومن ذلك نهيه سبحانه عن التجسس والغيبة لما في ذلك من تجاوز للحدود الشخصية وضر الناس فيها، يقول تعالى: "ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا"، وأيضاً أمرَ سبحانه بالاستئذان وتحديد أوقات الزيارة وعدم النظر في خفايا البيوت عند اﻹذن فيها. ولو نظرنا لكل هذه اﻷحكام سنلحظ حجم الاهتمام في جانب الخصوصية؛ لما في ذلك من مظنة اﻷذى وتدمير اﻷشخاص وحتى اﻷسر المطمئنة.

وأضاف الوهيبي بأنَّ ما نراه اليوم في مواقع التواصل الاجتماعية يُعاكس اتجاه الشرع في حفظ خصوصية الناس، بل ما نراه أن دائرة العموم اتسعت على حساب الخصوصية في حياة اﻷفراد؛ حتى إنَّني اطلعت على حالات طلاق بسبب مواقع التواصل الاجتماعي لعدم وضع الحدود اللازمة التي تحمي خصوصية العلاقة الزوجية، وكذلك تعرض البعض لسرقة بيوتهم بسبب إفشائهم لكل نشاط يقومون به من سفر وإخلاء للمنازل وكذلك تصوير مقتنياتهم؛ وهناك من جرى ابتزازهم بسبب السماح لبعض الجهات المجهولة أن تهتك سترهم في لحظات ضعف وهدم للحواجز التي كانت تحميهم وغيرهم كثير.. وأكد الوهيبي أنَّ الهدف من اﻷحكام الشرعية اﻷخلاقية حماية كيان اﻹنسان والمجتمع اﻹنساني بالمجمل.

 

ميزان اجتماعي مختل

وترى أسماء الشامسية -مُتخصِّصة في علم الاجتماع- أنَّ علما مثل علم الاجتماع يُمكنه أن يقرأ انتهاك الخصوصية في وسائل الاجتماعي باعتبار هذه الوسائل مجتمعات افتراضية أولا، وينطبق عليها ما ينطبق على المجتمعات الحقيقية؛ ففي الافتراضية كما في الحقيقية لديك أفراد وقيم وسلوكيات وروابط مشتركة تربط الأفراد ببعضهم، والفيس بوك كمثال لمجتمع افتراضي يُمكن وصفه بأنه مجتمع يضع قيود خصوصية بعينها ويمثل الأفراد المنتهكين للخصوصية كـ"الهاكرز" أفراد منحرفين عن قيم المجتمع الذي يضع الفيسبوك قواعده وحدوده. من ناحية أخرى، تُطبق عليهم عقوبات بعينها، وهو ما يُسمَّى بأساليب الضبط الاجتماعية، ومع ذلك يحتفظ الفيسبوك بخاصية إتاحة التعبير عن الرأي دون قيود ويمارس الضبط على مستوى استخدام هذه الحرية في الإساءة للأفراد؛ سواء كانت إساءة بمحتوى ساخر أو جنسي أو مضايقة..وغيره نستطيع القول بأنَّ الفيسبوك يتموضع بين صفات المجتمع الآلي "التقليدي" في الضبطية والمجتمع العضوي في "الاستقلالية" كما هو تقسيم المجتمعات عند عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم.

وأشارت الشامسية إلى أنَّ توظيف وسائل التواصل بشكل واع يتم عبر ممارسة التواصل الاجتماعي وفق مبادئ الفرد الذاتية التي هي واجهة "التعرفة" إلى الآخرين وعبر الإحساس بمسؤولية حدود الحرية الفردية التي لا تمس حدود الآخرين بل تنتهي عندها. وأضافت بأنَّ التفاعل مع وجهات النظرالمختلفة وإخراط الفرد نفسه ضمن محيط لا يشبهه يمكنه مع الوقت من التعايش مع المختلف واحترام خصوصيته بل وتفهم النظائر والخصوم، وهذا يمكنه من التزام مبادئ بعينها سواء نتفق معها أو نختلف، ولا أعتقد أنَّ هناك تصرفا صحيحا وتصرفا غير صحيح في وسائل التواصل الاجتماعي، نكتفي بتصنيف التصرف الواعي واللاواعي الذي يمكن معه الحكم بالأسس التي ينطلق منها كل فرد أهي أسس تربية وتثقيف تقليدية أو منفتحة.

 

ثقافة الإعلام الجديد

وقال مُحمَّد سعيد ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي: إنَّ هذه الوسائل مكنت الناس من التواصل الفعال فيما بينهم وتكوين العلاقات. واستدرك: إلا أنَّ البعض يستخدم هذه الشبكات بطريقة سلبية؛ مما ينعكس ذلك على المستخدمين ويلحق بهم الضرر بأنواعه المختلفة؛ فمثلا تطبيق "سناب شات" قضى على خصوصية الكثير من البيوت وخلف الفوضى والخلافات.

وترى خلود عبدالله -ناشطة بوسائل التواصل الاجتماعي- أنَّ الإعلام الجديد كان سببًا مباشرا في تراجع خصوصية الفرد والمجتمع، ولكن رغم ذلك يملك الفرد حرية الكشف عن تفاصيل حياته من عدمها باختيار ما ينشره على هذه المواقع من معلومات وصور خاصة به.

وأكد أحمد الشحي -ناشط على وسائل التواصل الاجتماعي- أنَّ نشر الصور والمعلومات الخاصة يُشكِّل خطأ فادحا في حال تعرضها للسرقة والابتزاز من مستخدمين آخرين، بيد أنه في بعض الأحوال قد يتعرَّض البعض للمساءلة القانونية؛ لذا يجب أن نتوخى الحذر عند استخدام هذه التطبيقات.

 

التشريع للتطبيقات الإلكترونية

وقال المحامي خميس الشحي: إنَّ مواقع التواصل في الآونة الأخيرة تتسبَّب في انتهاك الحقوق والخصوصيات الإلكترونية؛ وذلك في ظل انتشار الجريمة الإلكترونية. وجاء تطوّر هذا النوع من الجرائم بالتزامن مع التطورات التي تطرأ على التقنيات والتكنولوجيا؛ الأمر الذي دفع الدول إلى العمل مليًّا للحد من هذه الجرائم التي تلحق الضرر بالأفراد من خلال التوعية والوسائل الوقائيّة الأمنية...وغيرها من الطرق؛ لذلك تلجأ الجهات الرسمية وغير الرسمية إلى حماية أنظمتها المعلوماتيّة بدرجة عالية من أنظمة الحماية. وأوضح أن فكرة قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات 12/2011 أتت من منطلق رغبة المشرع العماني في سد النقص التشريعي في هذا المجال، وكون النصوص الواردة في سلسلة التشريعات السالف ذكرها لم تعد كافية لمواجهة هذه النوعية من الجرائم.

وأضاف الشحي بأنَّ المادة 16 من القانون تجرم الاعتداء الواقع على المبادئ أو القيم الأسرية بواسطة الشبكة أو باستعمال إحدى وسائل تقنية المعلومات كالهواتف النقالة المزودة بالكاميرا...وغيرها، وفرضت عقوبة السجن مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن ألف ريال ولا تزيد على خمسة آلاف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين. لافتا إلى أنَّ المادة 17 جرَّمت استخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة ما من شأنه المساس أو الإخلال بالآداب العامة؛ أو في الترويج لبرامج أو أفكار أو أنشطة من شأنها ذلك. وعاقبتْ بالسجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، وبغرامة لا تقل عن مائة ريال ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتصدت المادة 18 للتهديد والابتزاز الإلكتروني، وفرضت عقوبة السجن مدة لا تقل عن شهر ولا تزيد على ثلاث سنوات، وغرامة لا تقل عن ألف ريال ولا تزيد على ثلاثة آلاف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، تشدَّد في حالة كان التهديد بارتكاب جناية أو بإسناد أمور مخلة بالشرف أو الاعتبار لتصل العقوبة إلى السجن المؤقت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات وغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف ريال ولا تزيد على عشرة آلاف ريال.

 

حق حماية الخصوصية

وتطرَّق سعيد البرعمي -مهندس برمجيات وإخصائي شؤون إدارية بمكتب وزير الدولة ومحافظ ظفار- بالحديث إلى مستوى الوعي لدى المواطن العماني حول حماية خصوصيته على شبكة الإنترنت، وقال: إن المستخدم في السلطنة بشكل خاص وفي دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام يفتقر إلى المعرفة بإجراءات الحماية وبأهميتها قد يكون بسبب عدم المعرفة المسبقة بكل أشكال استخدامات الشبكة العنكبوتية، وقد يكون بسبب عدم التحضير لها من قبل المدرسة والأسرة، ولكن في العموم لا يزال هناك عدم اكتراث بأهمية حماية الحرية الشخصية على الإنترنت.

وقال الشحي: إنَّ هناك سُبلا مقترحة لتعزيز الوعي التقني لدى المستخدم؛ أبرزها أنه لابد للإنسان أن يحتفظ لنفسه بخصوصيته عبر قراءة شروط الاستخدام، والحذر من البرامج والموقع غير الموثوقة، وعدم تفعيل تحديد الموقع الجغرافي، إضافة إلى عدم تفعيل مشاركة صورة ويومياته على حسابات شبكات التواصل الاجتماعي، والامتناع عن إجراء الحوارات أو الصداقات مع معرفات وهمية وصور لأفراد غير حقيقية تُستخدم لاحقاً في الابتزاز الإلكتروني. وتبليغ الجهات المختصة بأي شك أو أي تعرض للابتزاز الإلكتروني، والاستعانة بالمختصين في تعلُّم هذه البرامج والاستفادة من معرفتهم بالتعامل مع كل طارئ قد يتعرض له المستخدم العادي. وأشار إلى أن العالم صار قرية واحدة وأن ما يتعرض له المستخدم في البرازيل يتعرض له المستخدم في عمان وكل مكان في العالم واحد؛ والمتشابهات سرقة الحسابات الموجودة على شبكات التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو البيانات المالية. وشدَّد على أهمية الوقاية من هذه التهديدات، والحرص على استخدام برامج الحماية من التجسس وعدم الدخول للمواقع المشبوهة باستخدام الحسابات الشخصية. ويُنصح أن يتم تجنيب غير البالغين من استخدام هذه المواقع الإلكترونية لخطورتها.

تعليق عبر الفيس بوك