"QNB": 3 عوامل وراء تباطؤ نمو التجارة العالمية لأدنى مستوى منذ الأزمة المالية

 

 

الرُّؤية - خاص

قال التقريرُ الأسبوعيُّ لمجموعة بنك قطر الوطني "QNB" منذ وقت ليس ببعيد، كان من الصعب أن نتخيل المستقبل دون ارتفاع التجارة العالمية وتعمق الاندماج الاقتصادي، فقد واصلت الحكومات تعزيز سياسات تحرير التجارة، وتعاونت الشركات على تطوير سلاسل توريد عالمية، وكانت النتيجة ازدياد تدفقات التجارة التي دفعت قدماً بالنمو العالمي.

ولكن الآن وبعدما يقرب من 8 سنوات منذ بداية الأزمة المالية العالمية، تغير الكثير. لقد تباطأت التجارة بشكل كبير سواء من حيث القيمة الاسمية أو الحجم. فقد تراجع نمو التجارة من حيث القيمة والحجم، بما في ذلك الانخفاض عن مستوى نمو الاقتصاد العالمي في ثلاث من السنوات الأربع الماضية. وبلغ النمو في حجم التجارة العالمية متوسط 3.9 في المئة سنويا منذ عام 2011، بانخفاض من متوسط 7.3 في المئة في الفترة من 2000 إلى 2007. وعلاوة على ذلك، تشير البيانات الأخيرة إلى أن وضع التجارة العالمية قد تدهور إلى أبعد من ذلك. فخلال الأشهر الستة الأولى من عام 2016، بلغ النمو في حجم تجارة السلع العالمية متوسط 0.1 في المئة، وهو أبطأ معدل نمو منذ الأزمة المالية.

وكانت هناك ثلاثة عوامل رئيسية وراء تباطؤ التجارة العالمية.. العامل الأول: الهبوط الدوري في الطلب الكليّ من الاقتصادات المتقدمة. ففي أعقاب الأزمة المالية، كانت لعملية إعادة بناء الميزانيات العمومية وتخفيض الديون على نحو تدريجي أثر سلبي طويل الأجل على الاستهلاك والاستثمار. ونظراً لمحتوى الاستيراد الكبير لهذه العناصر إضافة إلى كون أن الاقتصادات المتقدمة تمثل أكثر من 60 في المئة من الواردات العالمية، فقد نجم عن ذلك تثبيط لنمو التجارة العالمية. كما تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للاقتصادات المتقدمة من متوسط قدره 2.6 في المئة سنوياً خلال السنوات 2000-2007 إلى متوسط 1.6 في المئة في السنوات 2011 إلى 2015. ونتيجة لذلك، انخفض نمو الواردات في الاقتصادات المتقدمة بمقدار النصف تقريباً من 6.2 في المئة إلى 3.6 في المئة خلال نفس الفترتين المذكورتين.

والعامل الثاني: تأثير الإصلاحات الهيكلية في الصين. فقد سنت السلطات الصينية سياسات تهدف إلى زيادة الإنتاج محلياً والابتعاد عن قطاعات الاستثمار والتصدير التي تعتمد على الاستيراد المكثف بغرض تعزيز النمو القائم على الاستهلاك. وبالنظر إلى أن الصين تمثل 10 في المئة من واردات السلع العالمية فإن تأثير هذه السياسات سيعمل مباشرة على إبطاء نمو التجارة العالمية عن طريق خفض الواردات الصينية من السلع الرأسمالية والوسيطة. كما أن هناك أيضاً تأثيرات غير مباشرة لذلك عن طريق إضعاف الطلب من الصين على الصادرات من البلدان الآسيوية الأخرى التي تعتمد على علاقاتها بالصين من خلال سلاسل القيمة العالمية وصادرات السلع.

وقد بدأ التأثير التدريجي لهذا التحول يظهر بالفعل. فوفقاً لصندوق النقد الدولي، انخفض نمو الواردات الصينية من متوسط سنوي قدره 13.1 في المئة خلال الفترة من 2006 إلى 2011، إلى 6.1 في المئة في الفترة من 2012 إلى 2015، ويعزى ما يقرب من نصف هذا التراجع إلى عملية إعادة التوازن الاقتصادي في الصين. أما الجزء المتبقي فيعود إلى ضعف الطلب الكلي.

أما العامل الثالث، فهو: ازدياد التدابير الحمائية وتباطؤ عمليات التحرير التجاري. فعلى الرغم من التعهدات العديدة لدعم التجارة من قبل مجموعة العشرين، بما في ذلك تعهدات الاجتماع الأخير الذي عقد في يونيو، إلا أن الدول الأعضاء ظلت تفرض وبشكل متزايد تدابير حمائية. ووفقاً لقاعدة البيانات التي جمعتها مراقبة التجارة العالمية (Global Trade Alert)، زادت التدابير التجارية التمييزية بنسبة 50 في المئة في عام 2015، ويأتي أكثر من ثلاثة أرباع تلك التدابير من قبل دول أعضاء في مجموعة العشرين. بالإضافة إلى ذلك، تباطأت وتيرة عمليات التحرير التجاري، والدليل على ذلك هو تراجع عدد الاتفاقات التجارية الكبرى التي تم إبرامها والصعوبة في إكمال بعض الصفقات الكبرى التي تم الاتفاق عليها مبدئياً. على سبيل المثال، لا تزال اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي مرت بعراقيل كثيرة، تنتظر موافقة الكونجرس الأمريكي، ولا تزال المفاوضات بشأن الاتفاقية التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مستمرة لأكثر من ثلاث سنوات. وقد صاحب هذا المزاج العام تزايد في السياسات المعادية للعولمة، وهو ما يتجلى بوضوح في الحملة الناجحة الأخيرة بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي والدعم القوي الذي تحظى به المواقف المناهضة للتجارة العالمية في الحملة الانتخابية الحالية بالولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تعثرت التجارة العالمية بدرجة كبيرة، وتراجعت وتيرة نموها إلى أبطأ مستوى لها منذ الأزمة المالية العالمية. ويعزى هذا الضعف إلى عوامل دورية وهيكلية على حد سواء، بما في ذلك ضعف الواردات الصينية، وتصاعد النزعة الحمائية. وفي المستقبل، سيتعين على البلدان إيجاد مصادر بديلة للنمو. على سبيل المثال، يسير العالم باتجاه الرقمنة، حيث يزداد تدفق المعلومات بينما تنخفض التدفقات التجارية، وهي ظاهرة تعرف بالعولمة الرقمية. ويمكن لذلك أن يتيح فرصاً بديلة في المستقبل.

تعليق عبر الفيس بوك