كبرياء المؤسسة أم الصالح الوطني؟!

 

 

زينب الغريبيَّة

وُضِعَت فكرة المؤسَّسات لتسيير الشؤون المختلفة في كل بلاد، فكلُّ مؤسسة تهتمُّ بجانب معين من شؤون البلاد أو المواطنين كالسياحة والطرق والصحة والتعليم والصناعة والتجارة والمالية...وغيرها من الشؤون المتنوعة والمستجدة، والتي يحتاجها الوطن والمواطنون في كل بلد. وبطبيعة الحال، فأن تكون في كل مؤسسة مديريات ودوائر تتشعب بتشعُّب مسؤوليات المؤسسة والمستجدات التي لابد أن تقوم بها، ونجاح كل مؤسسة -من وجهة نظري على الأقل- بنجاح قياداتها، وإراداتهم للتغيير، فحين توضع المصلحة العامة هي الهدف، ويتم السعي له، دون الاعتبار لما قد يكون في الطريق من عراقيل والتي من الممكن تخضيعها والصعود عليها، فسوف نحقق النجاح.

ولكن في المقابل، عندما تنتهج الشخصنة في المؤسسة، فتصبح القرارات تمثل الشخص ولا تمثل المؤسسة، وكأن الخطأ إن حدث فإنما ينتقص من قدر الشخص القائد أو كيانه، ولذا بكل تأكيد سيتم التغاضي عنه، وتغطية الموضوع، بل والاستمرار أحيانا في تنفيذه؛ وذلك حتى لا يتم الاعتراف بالخطأ، وهذا من الممكن أن يؤثر على سُمعة القائد وأنه قد أخطأ، حتى وإن تعارض ذلك مع تحقيق الصالح العام، إذن فما المرجو من مؤسسة كهذه؟!

اتُخذ قرار أمام عيني في إحدى المؤسسات في حق شخص تم تنزيله من وضعه وسحب جميع الصلاحيات منه، لقيادة دائرة هو الأنسب لقيادتها، هو من يمتلك كل الإمكانات لتحقيق النجاح لها، ربما عن طريق الخطأ وربما بسبب شخصنة آخرين ممن يتولون القيادات في المؤسسة تم تجاهله، بل وتنزيله بعد أن كان على رأس هذه الدائرة في مرحلة إنشائها، وبعد ذلك تم تعاقب 4 رؤساء على الدائرة لا يستطيع أي منهم تحريك ساكن في الدائرة، ويسرعون في الهروب منها لأنهم لا يستطيعون تقديم شيئا للدائرة.

لم تتوقف الحال على هذا، بل مُورس ضد ذلك الشخص أقسى أنواع التعسف، والتهميش، وتعريضه للتحقيقات والملاحقات، ليس لشيء سوى أنه رفض الظلم الذي أحاق به، ولم يُسايرهم في تطبيقه عليه، لم يراعَ حينها مصلحة العمل، وإنتاجية الدائرة، وماذا ستقدم للمجتمع، بقدر ما روعي أن الرجوع في القرار بعد تظلم الشخص، سيمس بهيبة متخذة، وأنه سيصرح بالتالي بخطئه، وربما هو غير مسؤول عنه في البداية، إلا أنَّه يتحمَّل المسؤولية كاملة في استمراره به، ونبذ المصلحة العامة من أجل الإصرار على عدم التراجع، ووضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، بل والمساهمة في استمرار مضايقته وإلحاق القهر والمهانة به.

هذه الحالة لا تمثل حالة فردية نادرة، بل هي حالة عامة في مؤسسات لا تقوم على الموضوعية؛ فالإستراتيجية عندما يثبت عدم ملاءمتها، أو أنها لم تثمر كالمطلوب منها، من المفترض توقيفها، ودراسة أسباب النتيجة التي وصلت لها، ثم إصلاح ما يمكن إصلاحه أو حتى استبدالها إن ثبت عدم ملاءمتها بشكل عام، ولكن الاستمرار بها من باب أنه تم استنزاف الكثيرمن الموارد في سبيل تطبيقها، حتى لو لم تحقق أي شيء من الأهداف المرجوة، فقط من أجل أننا نعمل، أيًّا ما كان ما نعمل به.

على الكوكب الآخر من العالم الفسيح، حيث تعمل المؤسسات كمؤسسات لا تكترث إلا للكفاءة والإنتاجية، في ضوء القواعد العامة والقوانين المعتمدة، أشرف باحث يحمل شهادة البكالوريوس على طالب دكتوراة -أعرفه عزَّ المعرفة- كمشرف ثان على رسالة الدكتوراة، في إحدى أكبر الجامعات في المملكة المتحدة والتي تحتل تصنيفا متقدما بين جامعات العالم، كان باحثا متميزا ويعمل في إحدى الجامعات الكبرى يقدم محاضرات لطلاب الماسجتير والكتوراة، طوَّر من نفسه بالقراءة والبحث، فلا اعتبار للشهادات الفضفاضة التي يتم شراؤها أحيانا في كوكبنا هذا، فقط من أجل نيل منصب معين أو أن يحظى بلقب تلك الشهادة. فما ينتجه ذلك الباحث في مكانه في الجامعة قد لا ينتجه مئات ممن حصلوا على شهادات لا يعرفون ما هو مضمونها ولا كيف تمت كتابتها.

حين تُصبح المعايير هي الجودة الحقيقة وليست الموصوفة في المذكرات والموضوعة في الأدراج، وحين تصبح الكفاءة هي المعيار الذي يختار به الشخص لوضعه في المكان المناسب له، وحين يعمل القائد في أي مؤسسة من أجل النهوض بتلك المؤسسة بلا كبرياء قد تضر بالمصلحة العامة، والحق الظلم والضرر بمن ينتسبون إلى مؤسسته. حينها نكون قد وضعنا أرجلنا في بداية السلم نحو الكوكب الآخر.