أين عيديتنا؟

 

د. عبد الله عبد الرزاق باحجاج

عندما يتم قطع عيدية فئات الضمان الاجتماعي على وجه الخصوص، فهل هذا مُؤشر على عُمق التداعي المالي للأزمة النفطية في بلادنا؟ هل فعلاً وصلنا إلى هذا المستوى العميق من التأثير؟ فالمساس بحقوق هذه الفئات، يعد خطاً أحمر مهما كانت التحديات والظروف المالية، ومبررات القطع لابد أن تكون في الحالات الاستثنائية (القصوى) فقط، ولا نتصور أننا وصلنا إليها أو سنصل إليها، إذن، لماذا قطعت العيدية؟ ومن الذي أمر بقطعها؟ كما أنَّ هناك تساؤلاً مهماً آخر لابد أن يطرح هنا، وهو، هل خفض إنفاق وزارة التنمية الاجتماعية ما بين (10-15 %) بسبب الأزمة النفطية يؤثر على دورها الاجتماعي والإنساني؟.

مهما كانت الظروف المالية التي تمر بها البلاد، فينبغي على الحكومة أن تحافظ على موازنة هذه الوزارة لعلاقتها المُباشرة بالفئات الاجتماعية المُحتاجة للعناية خاصة وللحمولة الاجتماعية للدولة العُمانية عامة، فهذه الوزارة تعد من أقدم الوزارات التي أنشأت من أجل أن تعنى بمثل هذه الفئات، وهذا يدلل على أهمية هذه الوزارة ودورها الاجتماعي والإنساني، فكيف تقطع عيدية هذه الفئات؟ من المسؤول؟ هناك مسؤولية كبيرة لابد من تحميلها لمن كان السبب فيها، لعدة اعتبارات أبرزها، مخالفة القطع للأمر السامي الذي يقضي بمضاعفة مرتبات الضمان الاجتماعي في العيدين، عيد الفطر المبارك، وعيد الأضحى المبارك، وكذلك أن عملية القطع تأتي في مرحلة ترفع الأسعار في كل مناحي حياتنا، وقد أصبحت الطبقة الوسطى تشعر بمعاناتها، ومن البديهي تباعاً أن تتضاعف المعاناة عند فئات الضمان الاجتماعي التي تعيش أصلا في المعاناة نفسها قبل ارتفاع الأسعار لضعف معاشاتها، فكيف بوضعها الآن بعد ارتفاع الأسعار، وهذا ليس كلامًا نظرياً، ندغدغ به العواطف لكسب التعاطف مع هذه الفئات، وإنما هذا ما كشفته فعلاً دراسة بحثية رسمية، حيث أكدت أن (%95) من أسر الضمان الاجتماعي لا يكفيها معاش الضمان الاجتماعي، هذه الدراسة شملت (178) أسرة من أسر الضمان الاجتماعي، بواقع (12) أسرة من كل محافظة، وكشفت كذلك أن أعلى نسبة من حالات الضمان الاجتماعي تتمثل في فئة كبار السن بنسبة (%40) تليها فئة العجزة بنسبة (%31)، وجاءت المطلقات بنسبة (%21) فيما تواترت بقية الفئات بنسب متفاوتة، هذه حقائق رسمية، وهي تؤكد على حجية توفير المال لهذه الوزارة من أجل مهامها الاجتماعية الوطنية، أو على الأقل تدعم حجة البقاء على موازنة وزارة التنمية الاجتماعية من حيث المبدأ، وفي مثل الأزمة الحالية استثناءً تحتم الموازنة تعزيزًا لا تقليصًا، وتلكم النسبة المئوية الكبيرة تجبر صناع القرار المالي فعلاً على دعم معاشات الضمان الاجتماعي وتعزيز الامتيازات الممنوحة لهم، لا سحبها ، لأنَّ القضية تتعلق بالأمن الاجتماعي لهذه الفئات، ويعني هذا المفهوم توفير المسكن الملائم والتعليم المناسب والصحة المطلوبة والعيش الكريم، فهل فعلاً يحقق هذا المعاش هذا الأمن لهذه الفئات؟ الإجابة أوضحناها بالدليل من اكتشافات تلك الدراسة، ولسنا بحاجة إلى دراسات رغم أهميتها حتى نوضح مدى مواءمة معاشات الضمان الاجتماعي لاحتياجاتهم، فكلنا شهود عيان ميدانيين على حالة العجز المستدامة التي يكون لها تداعيات على أسر الضمان وخاصة أبنائهم في سن الدراسة، فهناك أسر تقف عاجزة حتى عن دفع مصروفات الأبناء المدرسية اليومية (مائتان أو ثلاثمائة بيسة يوميًا) مما اضطر مدرسات بعض المدارس إلى الدخول في جمعية فيما بينهن لتوفير هذه المصروفات، وحتى لو بحثنا في دوافع الأمر السامي بمنح العيدية، فسوف نجد وراءها بعدا إنسانيا أصيلا، وتقديرا رفيعا للضغوطات الناجمة على هذه الأسر في الأعياد الدينية، لدواعي إدخال السرور والفرحة على أفراد أسر الضمان الاجتماعي، وقد حققت نتائجها الإيجابية خلال المناسبات الماضية، فكيف تقطع في عيد الأضحى المبارك؟ وحتى الآن لم تصدق هذه الأسر قطع العيدية عنها، لماذا؟ لأنّها مكرمة سامية لهم، والمكرمات لها صفة الثبات والقداسة، فمن تجرأ على قطعها الآن؟ كانت الحكومة تصرف العيدية في العيدين في وقت مُبكر، لكنها لم تفعل ذلك خلال عيد الأضحى المبارك الذي لا نزال نعيش نفحاته المباركات، وذهب الاعتقاد الاجتماعي بأنها ستصرف بعيد العيد مباشرة، ولا يبدو في الأفق ما يشير إلى استمرار العيدية، وهذا ما دفع ببعض كبار السن إلى الاتصال بنا لفتح قضيتهم عبر هذا المنبر، وكلهم مندهشين ومستغربين من قطعها، لأنّها مكرمة، والمكرمات لا تسحب، ولا تلغى، مما حدا بأحدهم إلى التساؤل قائلا، ماذا جرى في البلد؟ وكيف تقطع مكرمة صاحب الجلالة؟ لدينا حاسة سادسة تفيدنا بأنّ القرار مالي، فهل يلغي القرار المالي المكرمة السامية؟ وهل له مبررات مقنعة؟.

وحتى لو انفتحنا على مبرر التداعي المالي، فإنّه لن يُشكل حُجة لوقف العيدية، فالتصرفات المالية للحكومة لا تُشير إلى أنّ هذه العيدية قد أصبحت عبئًا ثقيلاً على ميزانية الدولة، لن نُعدد قائمة بهذه التصرفات، وإنما سنُركز هنا على ديكورات وأثاث الندوات والمؤتمرات التي تكلف أموالاً طائلة من خزينة الدولة، فلماذا تُصرف عليها تلك الأموال في الوقت الذي تقطع فيه العيدية إذا كان السبب مالياً؟ وكل من يستمع لأسر الضمان الاجتماعي وبالذات الأرامل والعجزة وكبار السن، وهم الأغلبية من فئات الضمان، سوف يتضح له حجم معاناتهم المستمرة حتى الآن، فقد تعودوا على العيدية ورتبوا أوضاعهم عليها، بل إنّ بعضهم اقترض على أمل أن تصرف لهم بعيد العيد، وكلما تمضي يوماً على هذا الأمل يزداد يأس وإحباط هذه الفئة التي عددها (84644) حالة حتى عام 2015، عيد بأية حال عدت يا عيد (المتنبي) على هؤلاء المواطنين؟ وينبغي أن ندق ناقوس الخطر على أمنهم الاجتماعي في ظل ارتفاع الأسعار، والقادم أخطر، وفي ظل سياسة الاستباحة المالية التي لا تراعي الأبعاد الاجتماعية؟ هناك تتمة.