الصدفة وحدها أنقذت محمد في مدارس بريطانيا.. وفي السلطنة: المدارس الخاصة هي الحل

معاناة مرضى التوحد بين فكّي "خطأ التشخيص" وعدم كفاءة الأخصائيين

 

 

الرؤية – خاص

 

يبلغ مُحمد من العمر 8 سنوات، وهو طفل اجتماعي ومُبتسم أغلب وقته ويحترف اللعب بالقطارات والإلكترونيات التي منعت عنه مؤخرًا لتأثيرها السلبي على حالته الصحية. لم يكن محمد طفلاً عادياً فعندما بلغ من العمر ثلاث سنوات تمّ تشخيص حالته في السلطنة بأن لديه تأخر في اللغة وانخرط في خطة علاجية تضمنت جلسات متواصلة لمدة سنتين تحت إشراف اختصاصيين لا يملكون الكفاءة المطلوبة وخلال تلك الفترة لم تتحسن حالته كما خُطط لها. وبعد انقضاء الفترة العلاجية سافر محمد برفقة أمه إلى المملكة المتحدة بهدف إكمالها للدراسة وتم تسجيله آن ذاك في المدرسة التي لاحظت بدورها السلوكيات المُغايرة التي يقوم بها الطفل مقارنة بزملائه في الدراسة مما استدعى تحويله إلى متخصصين وبعد تعرضه لاختبارات تقييم تبين أن لديه توحدا بسيطا وهو في الخامسة من العمر.

 كان تقبل الأمر صعبًا على والدة محمد وتطلب ذلك تدخل الأخصائيين النفسيين وتوفير الدعم النفسي من المحيطين في الخارج إلا أنّ تلك الطاقة المعنوية قد تبددت بمجرد الرجوع إلى السلطنة لعدم توفر الخدمات اللازمة وعدم تفهم المسؤولين في الدولة لما تطلبه حالة محمد من رعاية كما أنّ نظرة المجتمع لم تشفع لحالة محمد وخصوصيته .

وتحكي الأم معاناة من نوع آخر مع طفلها اجتماعي الطباع ومحبته للعب مع الأطفال ولكن ما يُعيقه عدم معرفته لطريقة اللعب الصحيحة وتأخره في اللغة لذا يقف ذلك عائقاً دون اندماجه مع الأطفال ويورث هذا الأمر الانطواء على نفسه مما يدعو إلى الحزن والقلق من أجله.

وحظي محمد في بريطانيا باعتناء كبير فلم يدفع الأهل أي رسوم لتاهيله وتعليمه حيث تمّ التكفل بكافة الرسوم الدراسية والتأهيلية إضافة إلى المواصلات والمأكل بالرغم من أنّهم لا يحملون الجنسية البريطانية.

ودرس محمد في مدرسة ابتدائية حكومية تحتضن الأطفال من مرحلة الروضة إلى الصف السادس الابتدائي إضافة إلى صفوف التوحد فقط فلا يعد التوحد إعاقة في المدارس البريطانية لذا يتم دمج أطفال التوحد مع الأطفال السليمين في المدارس الحكومية ووحدة التوحد داخل هذه المدرسة عبارة عن صفوف ويضم الصف الواحد حوالي ستة أطفال من نفس العمر.

وينقسم المختصون الذين يقدمون الخدمة التأهيلية للطفل التوحدي خلال تلك الفترة إلى سبعة مختصين: مدرستين في مجال التربية الخاصة وأخصائي تعديل سلوك وأخصائي تخاطب كما يتوفر أخصائي نفسي لكل طفل توحدي لديه ملف لدى الأخصائيين النفسيين فى المستشفى حيث يتم التواصل بين الأخصائي النفسي والمدرسة وهناك حلقة وصل مع ولي أمر الطالب أيضاً بهدف التقييم الشهري وتقديم الدعم والمشورة .

ودرس محمد في وحدة التوحد لمدة سنتين انقسمت إلى فترتين في السنة الأولى كان يتواجد فى صف مكون من خمسة أطفال طول اليوم يتخلله حضور جلسات تخاطب، وتعديل سلوك ، والعلاج الوظيفى الذي يستمر لمدة 45 دقيقة فى كل جلسة. وكان يحضر عدد من الجلسات خارج الصف كالتدريبات على ركوب الخيل، والموسيقى، ورعاية الحيوانات.

وفي الفترة الثانية من دراسته ونظرا لتحسنه تم اضافة (3 ساعات فى الأسبوع) فى جدوله ويتم دمجه مع الأطفال الطبيعيين فى حصص الأنشطة كالموسيقى والرياضة. ولم تقتصر خطة المدرسة على هذا الأمر بل إنّها تتواصل حتى تدمجه بصورة كاملة مع الطلبة السليمين في حال تحسنه وتقدمه في الخطة العلاجية المرسومة. وانتبهت المدرسة لضرورة توعية الطلبة العاديين بتواجد وحدة التوحد في مدرستهم الابتدائية فكان هناك عدد من المحاضرات للأطفال الطبيعيين بخصوص التوحد وكيفية تقبلهم. وتقدم المدرسة عددًا من المناهج الدراسية لأطفال التوحد تنوعت بين اللغة الإنجليزية، والرياضيات؛والعلوم يراعى فيها اتباع تقديم معلومات مبسطة حسب مقدرة الطفل ونوع التوحد.

 وامتد الاهتمام ليشمل عائلة محمد فقد كان الدعم الذي يقدم لعائلات طفل التوحد متنوعًا ويشمل حضور جلسات منتظمة مع المختصين النفسيين وعمل جلسات دعم للأهالي بصفة شهرية فى المدرسة لمناقشة المشكلات التي يمرون بها مع أطفالهم. كما تتوافر مساعدة منزلية من المختصين في حالات الأطفال شديدي التوحد. وتفعيل خط ساخن للتوحد لاستقبال أيّ مكالمات في حال مواجهة أي مشكلة مع الطفل التوحدي.

ومن أبرز التحديات التي واجهت محمد عندما وصل إلى أرض السلطنة عدم وجود مدارس حكومية متخصصة في مجال التوحد ويطغى على المدارس الخاصة المصلحة التجارية في المقام الأول لارتفاع الرسوم الدراسية المطلوبة ليس هذا فحسب لكن اتضح أنّ الأخصائيين لا يمتلكون الكفاءة للتعامل مع أطفال التوحد وهذا ما لاحظته أم محمد عندما سجلت ابنها لفصل واحد في مدرسة خاصة حيث ظل يدرس لفصل كامل وفي النهاية اكتشفت أنّ الأخصائية التي تعمل لديهم مجرد مساعد معلم وليس لديها خبرة مسبقة في مجال التوحد رغم ما قدمته إدارة المدرسة من معلومات وبيانات مغايرة للحقيقة. وتأمل أم محمد في اتخاذ خطوتها القادمة لدمج محمد في مدرسة للتعليم مع الأطفال الطبيعيين والاستمرار في الجلسات الخاصة حتى تتحسن حالته الصحية.

 

تعليق عبر الفيس بوك