سوريا ومخاطر انهيار الهدنة

 

 

من المؤسف القول إنّه لا تلُوح في الأفق أيّ بادرة أمل حقيقية يُمكن البناء عليها للوصول إلى استنتاج بأنَّ الهدنة الهشة التي اتفقت عليها روسيا وأمريكا، ستفضي عمّا قريب للتوصل إلى اتفاق شامل للأزمة السورية المُندلعة منذ 2011.

فالأطراف المُتناحرة تتعدَّد وتتشابك، حتى أنّ عدو الأمس لفرقة مُسلحة بات اليوم حليفًا، في وضع غرائبي يؤكد حقيقة هذه الأزمة وأنها ليست سوى حرب بالوكالة في أشنع صورها، إذ تتخذ من دماء الأبرياء وجثث المدنيين وقودًا لإشعال نار المعارك، وبارودًا لإطلاق المدفعية والصواريخ بشتى صنوفها.

الولايات المُتحدة نفسها ومن خلال التحالف الذي تقوده في سوريا، ارتكبت فعلاً مثيرًا للدهشة والتساؤل، عندما قتلت نحو 90 من قوات الجيش السوري النظامي، في خطوة تكشف الكثير عن زيف الاداعاءت حول قوة معلوماتها الاستخباراتية، لدرجة أنّها لم تستطع التمييز بين مُقاتلي تنظيم داعش وعناصر الجيش السوري، الذي كان يخوض معارك شرسة مع هؤلاء بالقرب من مطار دير الزور.

كما أن الجلسة الطارئة لمجلس الأمن التي عُقدت أمس، أظهرت حجم التناقضات والخلافات الكامنة بين روسيا وأمريكا فيما يتعلّق بالملف السوري، فما لبث ممثلا البلدين أن خاضا في حرب كلامية وتلاسن واضح على خلفية القصف الأخير في سوريا. وهو ما يدفع إلى التساؤل حول بنود الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن الهدنة الهشة في سوريا، خاصة وأن صمودها سيُحيل الطرفان إلى جولة أخرى من المفاوضات بشأن إتمام "صفقة" هذا الاتفاق.

والحديث عن أيّ هدنة لا يلتزم بها أطراف الصراع من داخل وخارج سوريا، هو محض هراء بيّن، فلا مجال لـ"الأخطاء الفنية" كما تدعي واشنطن، أو الزعم بعدم التمييز بين من ينبغي القضاء عليهم ومن يتعين على المجتمع الدولي أن يُساندهم، فالمنظمات والجماعات المسلحة في سوريا لم تعد تعرف سوى لغة القتل وسفك الدماء.

إنّ تقويض الهدنة ودفعها نحو حافة الهاوية ومنزلق الانهيار، لن يربح من ورائه أحد، فالمنطقة تُعاني أشد المعاناة من الحرب السورية، وأوروبا تواجه مخاطر غير مسبوقة جراء تدفق أعداد غفيرة من اللاجئين صوب أراضيها، فيما تتكبد الدول المتورطة في هذه الحرب خسائر لا حصر لها، في ظل مزيد من التفكك لجماعات المُقاتلين، وعدم إحراز تقدم حقيقي على الأرض أو على مائدة التَّفاوض.

تعليق عبر الفيس بوك