سوريا.. حرب عالمية مصغرة

 

يقبع السوريون في الوقت الحالي، رهينة المواءمات الدولية والتحالفات الإقليمية على اختلافاتها، فيما يواجه هذا البلد خطر التفكك والتشرذم إلى دويلات صغيرة تقوم على أسس طائفية، ومن المؤسف أن يكون إسهام العرب في هذا الملف لا يتعدى سوى التنديد والإعراب عن آمال بتحقق السلام.
فالمُباحثات الجارية حاليًا بين الولايات المتحدة وروسيا تُثبت أنَّ الأزمة السورية ليست مشكلة داخلية بين أطراف مُتنازعة على الحكم، أو متمردين أرادوا إزاحة النظام الحاكم بزعم الرغبة في الديمقراطية وتعظيم حقوق الإنسان، وهي قيم يستحقها بلا أدنى شك الشعب السوري وكل شعوب العالم. لكن الواقع يقول إنّ التناحر العسكري الحاصل في البلاد من أقصاها إلى أقصاها، يشير إلى ما يمكن أن نطلق عليه "حرباً عالمية مصغرة"، فكم من دولة تحارب بصورة مباشرة أو غير مباشرة- بالوكالة- في هذه البقعة من الأرض، وكم من جماعات مسلحة تتقاتل بدعوى القضاء على التشدد أو الحيلولة دون خسارة أراضٍ!
لقد عانى الشعب السوري خلال السنوات الخمس الماضية- ولا يزال- من أتون هذه المعارك الطاحنة التي أتت على الأخضر واليابس، وهدمت دور العبادة والمواقع الأثرية، وشردت مئات الآلاف، ودفعت الملايين إلى الفرار خارج الوطن، فلم يجدوا سوى بحرًا يلتهم أجسادهم الضعيفة بتدبير من عصابات تهريب تتاجر في البشر، أو أنهم يحيون حياة اللجوء في عدد من بلدان العالم.
ومن المؤسف أن تتداعى المشاهد والأنباء الواردة من سوريا، وهي تبرز الاقتتال العنيف بين فصائل شتى، فتجد مقاتلين من مختلف أنحاء العالم، كل له وجهته، وكل يخدم أجندة خاصة به، فيما أجندة المواطن السوري لا أحد يهتم بها، ولا يسعى لتطبيقها، في أسوأ صور اختلال الموازين وانهيار المنطق.
إنَّ الحديث هذه الأيام عن احتمالية تطبيق هدنة في البلاد، تزامناً مع عيد الأضحى، لن يُسهم سوى في وقف نزيف الدم ليوم أو بعض يوم، غير أنَّ الحل السلمي الشامل للصراع والوقف الدائم لإطلاق النار لن يتحقق سوى بجلوس السوريين والمخلصين من الوسطاء- سواء كانت الأمم المتحدة أو أي أطراف دولية- على مائدة حوار وتفاوض، تضع في مُقدمة أولوياتها حق المواطن السوري في أن ينعم بالأمن والأمان ويكسب قوت يومه دون خشية من الموت.

 

تعليق عبر الفيس بوك