أين نقضي إجازة العيد؟!

 

سيف المعمري

ما إن يتم الإعلان عن الإجازات الرسمية الدينية أو الوطنية إلا ويتبادر إلى أذهان الكثير من العُمانيين والمقيمين على أرض السلطنة عن المكان الملائم الذي يستثمرون فيه إجازتهم، والتي تمثل بالنسبة للكثيرين سواء أفرادا أو حتى أسرة فرصة لقضاء أوقات ممتعة بعيداً عن روتين العمل والدراسة.

وكما هو معلوم فإنّ السلطنة تمتلك مقوّمات طبيعية وتاريخية وثقافية، وفيها المعالم الحضارية كالقلاع والحصون والمتاحف والطبيعة الجيولوجية الفريدة من شواطئ وجزر وكهوف وجبال ورمال ناعمة، بالإضافة إلى الحدائق والمتنزهات وميادين الاحتفالات والأسواق التقليدية والمراكز التجارية، علاوة على الفنون العُمانية التي تتابين بين محافظة وأخرى والتي تشكل جميعها لوحة فنيّة رائعة.

ورغم كل ما ذكر آنفا من إمكانيات تؤهل السلطنة إلى أن تكون وجهة سياحية تلبي مختلف الأذواق والاهتمامات ويمكن أن تجعل منها مقصدًا للسياح من دول الجوار يستمتعون بقضاء إجازاتهم في السلطنة بما تحويه من معالم حضارية وطبيعية خلابة وتراث عريق، إلا أن – وللأسف الشديد- عدم وجود برامج وفعاليات أثناء إجازة العيد تستهوي العُمانيين والمقيمين في السلطنة، يجعل من الإجازات هدرًا للطاقات وإضاعة في الأوقات فيما لا يجدي نفعاً وخاصة بالنسبة للشباب، بالإضافة إلى تعطيل في النشاط السياحي، ووأد للموروث الحضاري، ولجوء الكثير من العُمانيين والمقيمين إلى قضاء أوقات إجازاتهم في دول الجوار والبعض الآخر إلى السفر إلى دول شرق آسيا وأوروبا.

ولعلّ ذلك مرده إلى عدم وجود تنسيق وتكامل ورؤية واستراتيجية عمل مشتركة لتنمية القطاع السياحي، وتحفيز النشاط الاقتصادي في السلطنة وإحياء الموروث الحضاري، وعدم وجود منظومة عمل مؤسسية يمكن أن تحتوي الناس خلال فترة الإجازات والاستفادة من طاقاتهم وإضفاء أجواء من المرح والفرحة والسرور والترفيه على الأسر والأفراح، حيث يمكن أن يستفيد الشباب من قضاء إجازاتهم في السلطنة في ممارسة هواياتهم المفضلة في السباحة والرماية وركوب الخيل والتخييم وزيارات المعالم السياحية الطبيعية والحضارية بالإضافة إلى المشاركة في إحياء الموروث الشعبي من خلال المشاركة بالحضور والتفاعل مع الفنون العُمانية، أمّا بالنسبة للأسر فهي فرصة للتجمّع وقضاء أوقات مرحة في الحدائق والمتنزهات والمواقع السياحيّة الطبيعية وزيارة القلاع والحصون والأسواق التقليدية والشواطئ بالإضافة إلى زيارات الأقارب.

والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: هل هناك استعدادات من قبل المؤسسات المعنية بالسياحة والترفيه وإحياء الموروث الشعبي وتنمية النشاط الاقتصادي لإجازة عيد الأضحى المبارك؟ وأنا على يقين بأن الإجابة بـ (لا)، وإن كانت هناك بعض الاستعدادات من بعض المؤسسات في بعض الولايات ولكنها تبقى (خجولة جدا)، ولا تلبي تطلعاتنا في بناء اقتصاد مستدام يأخذ بمقومات وإرث المجتمع الحضاري، ويتناغم مع روح العصر ولغة التنمية المستدامة.

وعلى سبيل المثال ففي الماضي كانت معظم القرى والولايات العُمانية تشهد إقامة الفعاليات والأنشطة الاجتماعية المتنوعة، حيث تقام الاحتفالات الشعبية التي يشارك فيها الكبار والصغار، الرجال والنساء، وتؤدى فيها الفنون العُمانية المختلفة كالعيالة والرزحة والميدان والعازي وغيرها، كما تقام سباقات الخيل والهجن وسباقات العرضة والمزاينة وغيرها، كما تقام المسابقات التراثية والترفيهية كالرماية والجري وشد الحبل وغيرها، ولكن لم يعد لتلك الفعاليات والأنشطة ذلك الصدى والاهتمام في معظم الولايات وأصبحت من ذكريات الماضي، مما ينذر باندثار الكثير من العادات والتقاليد والفنون العُمانية الأصيلة التي اقتصر تقديمها في مساحات زمنية ومكانية ضيقة؛ كالاحتفالات والمهرجانات الرسمية، وتعرض كمقاطع قصيرة على وسائل الإعلام المرئية.

وأنا على يقين أنّ الكثير من الجهات والمؤسسات السياحية والترفيهية والتجارية في دول الجوار تضع في أجندة برامجها التدفق السياحي من العُمانيين والمقيمين على أرض السلطنة (إليها) والتي تتزامن مع الإجازات الدينية والوطنية التي تعلنها السلطنة، وهو ما يفسر الازدحام الذي تشهده المنافذ الحدودية للمغادرين حدود السلطنة، واكتظاظ العُمانيين في دول الجوار على الحدائق والمتنزهات والفنادق طوال فترة الإجازات.

ومما يجدر ذكره وقبل عدة سنوات وفي أوائل شهر نوفمبر بالتحديد أستوقفني سؤال لأحد العمالة الآسيوية في إحدى المؤسسات التجارية بإحدى دول الجوار عن إجازة العيد الوطني في السلطنة في ذلك العام، فبادرته بسؤال: وما علاقتك بهذه الإجازة؟ فرد قائلا: تعودت في كل الإجازات الدينية والوطنية في السلطنة على تدفق المواطنين العُمانيين على مؤسستي! وأنا أنتظر تلك الإجازات كانتظاركم لها!

ولعلّ هذا مثال واحد من عشرات الأمثلة التي تؤكد أننا بحاجة إلى وسائل وأساليب ذكية لتنمية قطاعات سياحية وترفيهية وتجارية تقلل من التحويلات المالية خارج السلطنة.

ولا أعلم يقينا لماذا يرتبط مهرجان صلالة السياحي والسياحة في محافظة ظفار بالفترة من أواخر يونيو وحتى أواخر أغسطس مع العلم أنّ المحافظة تزداد جمالا وروعة مع استمرار موسم الخريف حتى نهاية سبتمبر، حيث يمكن أن يمتد المهرجان حتى منتصف أكتوبر، حيث يتلاشى تدريجيا فصل الخريف، وهي فرصة للذين قضوا إجازاتهم الدراسية من الأكاديميين والطلاب خارج محافظة ظفار ليستمتعوا بالفعاليات والأنشطة أثناء فترة عودتهم إلى المؤسسات الأكاديمية والتربوية.

ولماذا لا يتبنى المجلس البلدي في كل محافظة وبالتعاون مع جميع المؤسسات المعنية بالسياحية والترفيه وإحياء التراث تنظيم برامج وفعاليات تسهم في الترويج للسلطنة سياحيا، وتسهم في نشيط السياحة الداخلية، وإحياء العادات والتراث الشعبي العُماني؟ وما أهمية وجود مؤسسات ترعى القطاع السياحي والترفيهي ومعنية في الاهتمام بالموروث الحضاري وتجنح للدعة والراحة في الفترة الأنسب لهم للعمل، والذي من المفترض أن يشمروا عن سواعد الجد والعمل، ويضاعفوا نشاطهم في الاجازات لإظهار الجديد والمفيد للمجتمع وللوطن وإسعاد الناس في إجازاتهم وفرص لقاءاتهم، ثم ينامون بعد ذلك قريري العين، وكل عام وأنتم بخير،،،

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،،
 

Saif5900@gmail.com