أدركت قبل الأوان معنى "سجن الجسد" بين "ضعاف النفوس"

محاولة تحرش أفقدتها روحها الطفولية مبكرًا.. وأفقدتها الثقة في كل باب يُغلق

رصدت التجربة والاستطلاع - عزة الحسينية

تنظر إلى الباب وتركز على مفتاحه بتوجس لفترات طويلة.. هكذا اعتادت الطفلة "أ" ابنة التسع سنوات أن تتعامل مع الأبواب وكافة مخارج الأماكن المغلقة، رغم أنها كانت من قبل مليئة بالحياة ولا ترى إلا نقاط النور في أرواح من حولها، تفترض الخير التام في كل البشر. تقضي وقتها مُقسما بين اللعب بالطين والعرائس أو التنزه مع رفاقها الصغار.

بينما كانت تقضي إجازتها الصيفية كان جسدها في سبيله إلى النمو شيئا فشيئا، لم تلحظ أمها الأمر، ولم تساور الطفلة الشكوك حول هذه التغييرات فقد كانت تمارس طفولتها بكل براءة، وتحظى بذاكرة رائعة تحتفظ فيها بكل معالم قريتها البعيدة عن المدينة، تخيط قلائد الياسمين لتصنع منه أساور وتيجانا لتمتلئ أزقة الحارات برائحة الطفولة المبهجة.

وقبيل انتهاء الإجازة الصيفية، صُدمت الأم جراء تعرض ابنتها لأعراض الطمث الأولى وهي في سن التاسعة، لكنها سارعت إلى ممارسة دورها كأم على استحياء دون أن توجه ابنتها إلى أساليب التصرف الصحيحة في هذه المواقف.

ومع بداية السنة الدراسية الجديدة، كانت الطفلة تذهب إلى نقطة تجمع الباص بخجل شديد وهي تضم ذراعيها إلى جسدها وتنكمش على نفسها وتمشي ببطء شديد كمن يخفي عارا، لم تعتد الأرض على ثقل ظلها هذه المرة. كانت تحمل حقيبتها على كتفها الأيمن مليئة بكتب الصف الرابع بينما يتدلى من كتفها الأيسر حلم يشير إلى الطفولة وربما تلويحة وداع أخيرة لطقوسها.

وفي طريق عودتها، تنزل من الحافلة تمشي أمتارا معدودة حتى تصل إلى المنزل إلا أنها قررت هذه المرة أن تأكل الحلوى من متجر قريب، ها هي تُحلق مجددًا عندما نظرت إلى الحلوى بعينيها؛ لكن البائع الذي كان من جنسية آسيوية يصوب نظره نحوها بشراهة. وعندما مدت يدها للقبض على ما تبقى من طفولتها في مكعبات السكاكر مد يده ليمسكها، نظرت إليه باستغراب فانتبه وأزالها وقال لها "خذي الحلوى هدية مني". لم تكترث لهذه التفاصيل فقد كانت تحت تأثير سعادتها بالحلوى، وفي اليوم التالي قررت الذهاب إلى البقالة مجددا لكنه هذه المرة انتهز الفرصة وأغلق باب المحل وأمسكها من كتفيها النحيلين وأسقطها على الأرض، هذه المرة الأولى التي تواجه شيئا كهذا بعد أن كانت آمنة من كل خوف فيما مضى، كانت تحمل اللولو (كريات زجاجية تستخدم في اللعب) في جيب ملبسها المدرسي وقامت بتوجيه الضربة تلو الأخرى مما سبب له الألم فلكمها برجله ثم ولّى هاربا بعد أن فتح الباب، وكانت ترتعد خوفا لكنها استجمعت قوتها وقررت الركض إلى المنزل.

وفي المنزل استقبلتها الأم بشيء من الغضب لتأخرها ولم تعرها اهتماما واختلقت كذبة صغيرة، وذهبت إلى الغرفة لتواجه وجها جامدا وجسدا كبيرا يُعلب روحها الصغيرة، إنه اللقاء الأول مع التفاصيل المؤلمة وبداية المعرفة الحقيقية بمعنى أن تمتلك طفلة جسد امرأة في مجتمع مكبوت. ولم تعرف الأم بتلك الحادثة، كبرت الطفلة وخسرت روحها الطفولية ولا زالت ترى في وجوه العابرين وجه المتحرش، وقد فقدت ثقتها في كل باب يغلق.

تعليق عبر الفيس بوك