جلسات العصف الذهني المقبلة؟

 

د/عبدالله عبد الرزاق باحجاج

ستشهد بلادنا قريبًا، جلسات عصفٍ ذهني مُعمقة جدًا بمشاركة خبرات عمانية وعالمية متعددة بالتعاون مع الحكومة الماليزية لوضع برنامج تنفيذي للتنويع الاقتصادي خلال سنوات الخطة الخمسية التاسعة (2016، 2020) في مُبادرة وطنية تعكس لنا ماهية جديدة في إرادة التنفيذ، وتوجهاً غير مسبوق في بلورة الرؤى والإستراتيجيات، خاصة إذا ما قارنا بين رؤية 2020 التي ستنتهي مع انتهاء الخطة الخمسية التاسعة وبين الرؤية الوطنية الجديدة 2040، وخاصة في شقها الاقتصادي، وهذا ما سوف يميز الرؤية 2040 الجديدة عن الرؤية القديمة، فالرؤية الأخيرة كانت تحمل مشروعا تنمويًا شاملاً، كانت بلادنا تستشرفه لمواجهة التحديات نفسها التي تواجهها اليوم، لكنه ينقصه البرنامج التنفيذي والعمل الجماعي وقياس الأداء ونظام حوكمة، ففشلت في بناء قوة بلادنا الاقتصادية المستهدفة، وتدخلنا الآن في حسابات مالية معقدة، لها تداعيات اجتماعية كبيرة.

فهل ينبغي أن نطلق التفاؤل في تنفيذ الرؤية الجديدة، والتفاؤل نفسه في بناء قوة بلادنا الاقتصادية دون الاعتماد على النفط وفي آجال زمنية متوسطة لا طويلة الأجل؟ هذا هو التَّحدي الذي ينبغي أن يُشكل الشغل الشاغل لكل جلسات العصف الذهبي بمستواها الرفيع، وهي النتيجة التي ستكون حاكمة لنجاح هذه الجلسات التي سوف تصرف عليها البلاد مبالغ مالية كبيرة رغم الظرفية المالية الحرجة التي تمر بها البلاد، فالنجاح في الحدود الدنيا لن يكون مقبولاً، ولن يرتقي إلى منهج جلسات العصف الذهني بالحجم والمستوى الذي ستدخل البلاد قريبًا، فمجموعة عقول من مدارس مُتعددة ستعمل العقل في بحث مشكلة التنوع الاقتصادي وفحصها وتمحيصها بهدف التوصل إلى الحلول الإبداعية المناسبة لها، وفق ما ورد إلينا من المجلس الأعلى للتخطيط من أجندة واستهدافات جلسات العصف الذهني التي ستبدأ في 19/9 /2016، وما يتضمنه البرنامج التنفيذي من رؤى وآليات عمل، يمكن القول إنّ تطبيق الرؤية الوطنية 2040 في شقها الاقتصادي تتوافر له الآن كل السُّبل العلمية والخبراتية والتمويل لنجاحه، ورغم ذلك، فالحذر سيظل هاجسنا الكبير، ولن نتحرر منه إلا إذا صنعنا لبلادنا القوة الاقتصادية متعددة المصادر التي لا تتأثر بالأزمات الاقتصادية والمالية، وإن تأثرت، فلن تهز بنياتها المالية والاجتماعية، كما يحدث الآن، فهل نتفاءل بجلسات العصف الذهني المقبلة؟ هناك الكثير من العناصر الإيجابية الداعمة للتفاؤل، أبرزها، الاستفادة من خبرة ماليزيا المتقدمة، حيث سيكون خبراؤها كبيت خبرة عالمية لتنفيذ الرؤية الجديدة، ويتواجد حاليًا خبراء من وحدة متابعة الأداء والتنفيذ التابعة لمكتب رئيس الوزراء الماليزي، وهذه خطوة مهمة في حد ذاتها، إذ إنّها ستكون ضامنة للنجاح، فهل نتفاءل؟ وورقيًا، نرى أن بلادنا مقبلة على نقلة نوعية في اقتصادها، تعتمد على التخطيط والشفافية والمُحاسبة، وهذه الثلاث أساس نجاح أي عمل، فالبرنامج التنفيذي لتعزيز التنويع الاقتصادي المعروف اختصارا باسم /تنفيذ/ سوف يعمل وبصورة ممنهجة ودائمة على قطاعات السياحة والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية كمرحلة أولى، بينما ستُغطي المرحلة الثانية قطاعي الثروة السمكية والتعدين، وفق خطط عملية منهجية تقوم على جمع وتحليل البيانات والمعلومات ومتابعة وتقييم مؤشرات الأداء الرئيسة، وتحديد جهات التنفيذ وإدارة المشاريع من خلال فريق عمل يضم خبرات عُمانية ومتخصصين من الخارج، وسيكون بيت الخبرة الماليزية هنا كداعم فني للمجلس الأعلى للتخطيط، وسيتم العمل في البرنامج من خلال ثمان لجان خطوات أساسية، تتمثل في تحديد التوجه الإستراتيجي، وعقد حلقات عمل (مختبرات) وفق إطار زمني محدد، بمشاركة (200) شخص من مختلف الجهات الحكومية والخاصة والهيئات الأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني، سيعملون على ترجمة الخطط الوطنية في مجال التنويع الاقتصادي، في مشاركة مجتمعية غالبة، حيث ستكون مشاركة الحكومة فيها بنسبة (%40) بينما القطاع الخاص والمجتمع المدني بنسبة (%60)، كما سيتاح للمواطنين الاطلاع على الخطط ونتائجها أولا بأول من خلال الأيام المفتوحة لمعرفة آراء المواطنين، كما ستكون هناك خارطة طريق هدفها إعلام المواطنين بما سيتم القيام به، فهل نتفاءل؟ فيما سبق يكشف لنا الاتجاه نحو الرهان على نظام حوكمة متكامل لضمان مأسسة العمل ورفع كفاءته وتسهيل تنسيق الجهود بين المؤسسات المتعددة، وهذا لم يكن في السابق، حيث لم يكن يعلم أحد بما تفعله كل وزارة، كما لا يمكن مساءلتها ولا محاسبتها، والنتيجة؟ يا بوزيد كأنك ما غزيت، إذن، هل نتفاءل؟ التساؤل لا يزال في الملعب الحكومي، ممثلا هنا في المجلس الأعلى للتخطيط، وهو أيّ التساؤل لا يقلل أبداً من الجهود المقبلة، بل يعززها من منظور التحفيز، وكذلك من منظور الهاجس الطاغي علينا في ضوء تجربتنا في تطبيق الرؤية 2020، وفشلها الصريح في سياسة التنويع الاقتصادي، صحيح المرحلة مختلفة الآن، وصحيح لدينا الآن قوة سياسية دافعة للنجاح، وصحيح لدى نخبنا الوزارية من الوعي والالتزام بالمسؤولية الوطنية التي تشكل فارقاً بين الرؤيتين، بعد صناعة رأي عام قوي وضغوط على الأداء الحكومي، لكنه سيظل هاجسًا مستدامًا حتى ينجح البرنامج التنفيذي في صناعة القوة الاقتصادية لبلادنا متعددة المصادر، ونصل في المدى المتوسط إلى اقتصاد دون نفط، فهل نتفاءل؟ اطلاعنا على أهداف التوجه الإستراتيجي للبرنامج التنفيذي، نجد فيه تحديدًا دقيقًا لما يجب إنجازه خلال السنوات الخمس المقبلة، ففي القطاعات الثلاثة الأولى بالرعاية، وهي الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والسياحة، فالمستهدف فيها رفع الناتج المحلي الإجمالي الحالي من القطاعات الثلاثة من (4،8) مليار ريال في عام 2010 إلى (6، 8) مليار ريال في 2020، فهل هذا الاستهداف غاية الطموح الوطني؟ وهل هو الطموح الذي يجب أن ينتجه العصف الذهني الجماعي؟ كما يستهدف البرنامج رفع عدد العاملين في الصناعات التحويلية من(214) عام 2014 إلى (426) ألف عام 2020، وفي مجال الخدمات اللوجستية من (54) ألف عام 2014 إلى (80) ألف عام 2020، وفي قطاع السياحة من (105) آلاف إلى (183) ألفاً خلال نفس الفترة، فهل فرص العمل التي ستوفرها القطاعات الثلاث طوال الخمس سنوات المقبلة، مرضية؟ وهل تحديد ماهيتها وعددها، قد روعي فيها مواجهة تحديات ديموغرافية مُقبلة وتصحيح الاختلالات في بنية الأجور التي تميل لصالح الأجانب؟ وإلى مدى سوف تساهم في تأمين الحق في العمل، والتخفيف من التراكم السنوي للباحثين عن عمل؟ وهذا كله يفتح لنا مدى وعي البرنامج التنفيذي للرؤية 2040 بالحمولة الاجتماعية للدولة العمانية، فهل يأخذ هذا البرنامج بعين الاعتبار هذه الحمولة – ماهية وحجمًا - ؟ نتمنى ألا يغرق البرنامج التنفيذي في الرؤية الاقتصادية الخالصة، فهناك رؤية سياسية بارزة يجب ألا تُغيَّب أو تغيب، بل يجب أن تكون حاضرة كهاجس يلازم كل جلسات العصف الذهني .. للموضوع تتمة إن شاء.