وكأن عُرسا لم يكن..!

 

 

 

عمَّار الغزالي

انفضَّ السامرُ بنهاية العرس الخريفي الظفاري الرائع، لتعود العذراء إلى خدرها، وكأنَّ العرس لم يَكُن.. إذ تعوَّدنا أن تتوارى صلالة كلَّ عام بعد موسم الخريف عن الساحة الإعلامية والسياحية اختفاءً تامًّا كاختفاء السراب، وتتوقَّف تقريباً جميع الفعاليات، مع أنَّ الجوَّ كل عام خلال شهري سبتمبر وأكتوبر يكون في قمَّة الجمال والروعة؛ حيث تنزع الجبال الشاهقة عن نفسها ثَوْبَ الضباب، ويظهر جمالها الخلَّاب، ولا يفوتنا أن نثمِّن جهود الجهات المعنية التي نجحتْ في إدارة مهرجان هذا العام والأنشطة المصاحبة، إلا أنَّ طموحات المجتمع أكثر بكثير لاستغلال الموسم كنقطة بداية لوضع صلالة على خارطة السياحة الإقليمية.

وعلى الرغم من تكاملية الأفكار، إلا أنني أستميحك عذرًا قارئي العزيز لأقطع سلسلة "جنة في قلب الخليج"، لأبحر معك في عالم واسع من المُحفِّزات العامة لتطوير والارتقاء بصلالة العزة؛ خصوصا ونحن نطفئ أضواء مهرجان العام 2016، كمناسبة تفرض على القلم الإجمال والتكثيف، لنستأنف بعدها التحليل والتفصيل.

نحتاج إلى تطويل مدة موسم الخريف أكثر مما هو عليه الآن، بأن تقسَّم الفعاليات الرسمية لتشملَ غير أوقات الذروة؛ وذلك لتخفيف الضغط على الخدمات خلال شهر أغسطس من ناحية، ولإطالة فترة الانتعاش الموسمي من ناحية أخرى، خصوصا وأنَّ الجو رائع بمعنى الكلمة خلال هذين الشهرين. كما أننا لو نجحنا في تطويل الانتعاش الموسمي إلى أربعة أشهر، فهذا سيُحقِّق بلا شك عائدا اقتصاديًّا أعلى، وهو المطلوب الذي يحتاجه كل مستثمر لإقامة مشروعه السياحي على هذه الأرض العامرة؛ وبالتالي سيقوى استثمار القطاع الخاص تلقائيًّا، خصوصا وأننا حالياً نشهد بأم أعيننا للأسف نسبَ إشغال ضعيفة جدًّا في شهري سبتمبر وأكتوبر. أيضاً ممكن التركيز خلال هذه الفترة على سياحة الصيد وإقامة الفعاليات والمسابقات المتعلقة بالصيد والرحلات البحرية والمنتجات السمكية، فالكثير من الأشقاء الخليجيين يعشقون البحر العُماني، ويحفظون عن ظهر قلب المواقع الغنية بالصيد وأنواع الأسماك المتوفرة هنا.

نحتاج إلى مَعَلم للمحافظة يكون نقطة جذب سياحي واقتصادي، قد يكون ميدانا فسيحا أو حدائق مفتوحة مع أضواء جمالية تضيء المكان في المساء، أو أن يُضاف إليها علم شاهق للوطن الغالي أو منارة عالية أو مجمر بخور عملاق يُعطِّر بروائحه الزكية الميدان، ويحكي قصة ماضٍ عريق، أو من المُمكن أن يُدمج المعلم ضمن مشروع تطوير شاطئ الحافة؛ لتركيز الجهود وتقليل التكاليف وزيادة المردود الاقتصادي من المشروع.

كما نحتاح مركزًا للمؤتمرات والمعارض؛ لما لتلك الصناعة من أهمية، وقد أفردتُ لها المقال السابق، ويمكن خَصْخَصة المشروع من البداية، وأتكلم عن مركز معقول بتكلفة جدًّا معقولة لا تتعدى بضعة الملايين، وقد زرت الكثير من مراكز المعارض والموتمرات في الكثير من المدن الاقتصادية، حجمها معقول جدًّا يفي بالغرض وينعش الكثير من الأنشطة الاقتصادية الأخرى ويخلق سياحة مستدامة.

خاصة إذا أضفنا إلى ذلك، الجو المعتدل طيلة العام، الذي يُمكننا من إنشاء مشاريع لن تتناسب مع أجواء الخليج الحارة، إلا في صلالة؛ مثل: مدينة طبية؛ حيث أضحت السياحة العلاجية من أهم مُحرِّكات سوق السفر العالمي، وأقترح من البداية كذلك خصخصة المشروع، وإنشاء شركة أهلية له، ثم بعد ذلك ليس من الصعب استقطاب مُستثمر لإنشاء مدينة طبية بمواصفات عالمية، لاسيما إذا وُفِّرت له قطعة الأرض المناسبة، وفُكَّت عنه قيود البيروقراطية.

كما أن وفرة المياه الجوفية تجعل من صلالة مكانًا مناسبًا لـ"حديقة الزهور"، إذ من الممكن استغلال جزء من مزرعة رزات أو أعلاف ظفار لهذا الغرض، إذ نحتاج إلى مثل هذه المشاريع كمقصد سياحي، ولنملأ برنامج السائح بمزارات ممتعة ومفيدة.

ولابد كذلك من الإسراع في إنجاز المشاريع المعلنة سابقاً؛ وعلى رأسها: مشروع الحافة، والنادي الثقافي، والحديقة المائية، وإكمال الجسور التي تحت الإنشاء، وازدواجية مرباط-طاقة، ومشروع 100 ألف شجرة نارجيل، ولا يجب علينا أن نغفل البُعد السياحي والاقتصادي لأي مشروع حتى لو كان ذا طابع ثقافي أو خدمي، أيضا أُعلِنَت الكثير من المشاريع السياحية من القطاع الخاص وتم تخصيص أراضٍ حكومية لها، ولكنها لم ترَ النور إلى الآن، هل من حق المجتمع أن يتساءل عنها؟! كما طُرح في 2008 منافسة بين الشركات للتطوير الشريط الساحلي بجانب ميناء الصيد في ولاية صلالة بالقرب من عوقد الجنوبية، ولكن المشروع لم يُطوَّر إلى الآن، والجمهور يتساءل: هل إلى معرفة حيثيات الموضوع من سبيل؟! الخور الواقع بالقرب من تلك المنطقة يحتاج إلى استغلاله وتوفير بعض الخدمات لتحويله إلى مقصد سياحي، كذلك الخور المتصل بالبحر والواقع بالدهاريز في قمة الجمال الطبيعي، ولكن تغطيه للأسف بعض المنشآت الحكومية مثل السجن الحالي...وغيرها، والتي من الممكن نقلها بسهولة إلى مكان آخر، الشاطئ والخور الطبيعي هناك في قمة الجمال الطبيعي يحتاج إلى القليل من الخدمات السياحية لتحويله إلى مقصد سياحي، أيضاً: هل هناك من أفكار إبداعية لاستغلال جزء من مساحة المطار القديم والذي يتواجد في قلب المدينة ووسط واحات ساحرة من أشجار النارجيل، في إنشاء مشروع سياحي أو ترفيهي أو تجاري ذي مردود اقتصادي مباشر أو غير مباشر، إذا ما أردنا تمكين السياحة فلابد من تركيز جميع الجهود نحوها.

نحتاج مطاعم راقية، بتشطيبات وخدمات تليق بالتصنيفات المحترمة، المطاعم الحالية جيدة وتغطي شريحة مُعتبرة ولكنها غير كافية إطلاقاً، معظمها لا يصل للحد الأدنى المطلوب من الجودة، وبالذات تلك التي تعتلي الجبال الشاهقة وتعانق السحاب، لا يوجد مطعم واحد من فئة خمسة نجوم على قمم إتين أو طيطام أو حمرير أو رزات. نسأل المستثمرين عن السبب، فيشكون ندرة الزوار أو انعدامهم بالأصح بعد الموسم!!

يُخبرني أحد المختصين في تطوير القطاع السياحي عن دور المطاعم الراقية المتكاملة في الترويج السياحي، يتحدَّث عن المطاعم الراقية التي تراها في جبال لبنان والتي تُعتبر بحد ذاتها مقصدا سياحيًّا، والتي تحتل موقعا مميزا على قمة الجبل وحولها مساحة تجميلية كافية تحيط بالمطعم: ألعاب أطفال، مستوى عالٍ من النظافة والتهوية في كلِّ مرافق ومساحات المطعم.

أربعة إلى خمسة مطاعم متفرقة في مواقع مميزة قد تكون كافية ولكنها أساسية، يعُطَى مستثمروها حوافز استثنائية بالمقابل يكون عليها رقابة دائمة من الجهات المعنية؛ لأنها تشكل جزءا لا يتجزأ من المنظومة السياحية في المحافظة، وإذا استصعب على القطاع الخاص إنجازها فممكن للشركات الحكومية المتخصصة في القطاع السياحي مثل عمران أن تأخذ زمام المبادرة في استكمال المرافق الإنشائية للمشروع، بعد ذلك تؤجر المواقع للقطاع الخاص، نريد لأمثال هذه الشركات الحكومية أن تترك مشاريع الإيواء التقليدية للقطاع الخاص، وتنتقل هي إلى المشاريع الإبداعية ذات الجذب السياحي.

إنَّ وطننا الحبيب الغالي يحتاج إلى الإخلاص وتضافر الجهود؛ فلا يمكن بناء سياحة مستدامة من غير وجود إستراتيجية ووضوح الهدف مع تعاون وتكاتف كافة الأطراف، كما أنه من ضروب المستحيل تخيُّل سياحة مُستدامة فقط بسبب جمال الطقس ووجود جبال شاهقة من غير خدمات وفعاليات وأنشطة أخرى اقتصادية، أو ثقافية، أو رياضية، أو علاجية...وغيرها.

هذا بعضٌ من فيض أفكار التطوير، قد لا تكون كلها مُناسبة للتنفيذ الآن لأنها تحتاج إلى تدقيق ومراجعة، وإنما في المجمل هي بذور وهموم غُرست في قلب كل مواطن غيور من أبناء وطننا الغالي عُمان.

حفظكم الله وكل عام وأنتم بخير...!

وكل خريف وظفار الحبيبة أبهى وأجمل...!

ويتجدَّد اللقاء...!