عاملة منزل إثيوبية تهرب من كفيلها تخلصًا من الإهانة و"فأل الشؤم"

ترحل عن بلادها بحثا عن "لقمة العيش" .. لتستقر صورتها في "إعلان هروب"

رصدت التجربة - عزة الحسينية

جهزت حقيبة سفرها التي استعارتها من جارتها حتى تسافر إلى قارة أخرى بحثا عن لقمة العيش. سوء الأوضاع الاقتصادية دفع "ترويّ" الإثيوبية ابنة الـ 27 عامًا إلى السفر للعمل كمدبرة منزل لتوفير المال لطفلتها الرضيعة، فتركت وراءها العائلة والصبر في انتظار عودتها. وبعد أن حصلت على تأشيرة سفر إلى سلطنة عمان ها هي أحلامها تقترب في مخيلتها ولم تكن تعرف شيئا عن هذه الدولة من قبل. وقبل خوض هذه التجربة كان يجب أن تخضع للعديد من الفحوصات الطبية. ونصحتها زميلاتها بأن تطيع أوامر كفيلها لمدة 3 أو 4 شهور على أن تهرب بعدها بحثا عن فرصة في أعمال أكثر ربحا!

وصلت إلى السلطنة. وفي المطار شدها اختلاف وجوه العابرين، تختلف الوجوه كل وجه يتخلف عن الآخر لكنّهم يتشاركون ربما نفس المصير. وفي مخرج القادمين عُلقت لوحة استشهدت بقول الرسول صلى الله عليه وسلم في عمان "لو أتيت أهل عمان ما سبوك ولا ضربوك" لكنّها لا تفهم المكتوب على تلك اللوحة. كان الارتباك والقلق رفيقاها. وكانت تحمل الكتاب المقدس في حقيبتها التي أمسكتها جيدا. وأقلها موظف استقدام العمالة الوافدة إلى المكتب.

وأقبلت زوجة بصحبة زوجها ذات ليلة إلى مكتب الاستقدام. وتوجهت إلى الموظفة وقالت: أريد خادمة. وقد كانت الموظفة من الجنسية الإثيوبية لكن هندامها كان عمانيا رغم اللغة "المهجنة" التي تتحدث بها، فقال الزوج: "نريد خادمة إثيوبية.. فهي قليلة التكلفة" وناولتهم ألبوم معنون في غلافه الخارجي "عاملات منزل من الجنسية الإثيوبية" ويضم صورا لعاملات المنزل ومواصفات كل واحدة منهن قُسم إلى قسمين: عاملات من الديانة المسيحية وقسم آخر من الديانة الإسلامية..

تصفح الزوجان الألبوم وكانا يضحكان من هيئة بعض العاملات ولبسهنّ البسيط! واستقرا أخيرا على اختيار "ترويّ" ولم يكن يهمهما الاسم بقدر مواصفاتها الجيدة: عازبة، 27 عامًا، تتقن الإنجليزية، وضعيفة جسمانيا. ورغم وجود الوشوم على ذقنها وعنقها ومنطقة الصدر وقع الاختيار على "ترويّ" المسترجعة من عائلة قبل أيام.

 وأكمل الزوج الإجراءات لاستقبال العاملة في منزل يضم 9 أشخاص، وللوهلة الأولى ذهلت تروي من عدد أفراد العائلة ومن المنزل المقسم إلى نصفين فلم يكن مثل منزل كفيلها السابق صغير ويضم 3 أفراد..

كان عليها الخضوع؛ سألتها الزوجة عن قدرتها على الطبخ العماني، وكان التواصل بينهما صعب لغويا. لكن الزوج رفض إعادتها إلى مكتب التوظيف لأنها ثالث خادمة تدخل المنزل خلال سنتين. وكانت العاملة لا تفقه شيئا من هذا الحديث وأخذت تتفقد بعينيها المنزل وعندما حضر الابن الأكبر فوجئ بوجودها وكانت أول جملة قالها "بسم الله.. هذه الخادمة مخيفة جدا" وردت الأخت "احترم الله في خلقه، والوشوم حريّة شخصية" ولتثبت أنّها عاملة جيدة قامت بتنظيف المنزل منذ اللحظة الأولى لوصولها؛ وإعداد العشاء كما طلب منها.

كان الطقس باردًا في تلك الليلة إلا أنّها بقيت جالسة على هيئة واحدة في باحة المنزل بينما هم يتناولون العشاء. وكانت ردود أفعالهم تنم عن سوء مذاق الطعام بينما فضلت واحدة من أفراد العائلة عدم الأكل من يد العاملة بحجة أنّها "كافرة" أما البقية فكانت تأكل على مضض..

اعتادت "تروي" أن تأكل بقايا الطعام إلا أنّ واحدة من أفراد الأسرة نصحتها بعدم تكرار هذا الفعل وأن تقسم لها من الوعاء بعد تجهيز الطعام مباشرة فهذا أبسط حقوقها.

وكانت غرفتها باردة ربما لأنّها غير مؤثثة فكل ما فيها عبارة عن دولاب صغير وفراش على الأرض. لكنّها كانت تجدها أجمل من غرفة تنام فيها عائلة بأكملها. نامت تلك الليلة بسرعة بعد إنهاك نهار كامل.  

كان أفراد العائلة يطلبون منها أن تقوم بعمل أشياء متعددة في اللحظة الواحدة، كما كانت تعاني من مزاج ربة البيت الحاد الذي يجعلها شماعة لكل الأخطاء. وكانت تبدأ عملها منذ الخامسة فجرا قبل أن ينهض الجميع من نومهم وهذا أحد أوامر الزوجة.

كانت ترويّ تدافع عن حقوقها بشراسة وترد على ما يقال عنها في التجمعات العائلية وهو ما اعتبرته الزوجة وقاحة. وكانت هناك الكثير من الاشتباكات والصراخ الذي يصل إلى بيت الجيران جراء سوء التعامل والفهم بين أفراد الأسرة والعاملة.

وبعد أن مات اثنان من أفراد العائلة على فترتين متقاربتين، قالت الأم: هذه الخادمة فأل شؤم، يجب أن نتخلص منها. واجهت ترويّ مصيرًا مجهولا هذه المرة. فبعد أن علمت بنيّة العائلة بالتنازل عنها اختارت الهرب بعيدا حتى لا تعود إلى مكتب الاستقدام ويتخذ ضدها إجراء تأديبي ينتهي بالضرب المبرح وإجبارها على العمل في منزل هذه الأسرة أو غيرها. وانتهى الأمر بصورة لها في إعلان هروب على صفحات الجرائد.

تعليق عبر الفيس بوك