الحوار الوطني.. أهم مقوّمات النجاح وأبرز عوامل الفشل

 

عبيدلي العبيدلي

دون الحاجة للدخول في متاهات نقاش التمييز بين من هي القوى السياسية العربية التي تسير في الطريق الصحيح، وتلك التي تسلك النهج الخاطئ، وبين من تملك الحق وهي تمارس العمل السياسي، وتلك التي تمسك بين يديها بأوراق الباطل، بوسع المتابع للمشهد السياسي العربي الخروج باستنتاج يحمل الكثير من الدقة والصدق، يشير إلى أنّ الحروب العربية التي عصفت بالبلاد العربية، والصدامات السلمية وغير السلمية التي عرفتها البلاد العربية، خلال السنوات الخمس الماضية، توحي جميع نتائجها، بأنها تكاد أن تقترب من حالة الصراعات العبثية، التي أقل ما يمكن أن يقال عنها أنّ استمرارها في حد ذاته، يعبر عن مصالح قوى سياسية عربية بعيدة كل البعد عما ترفعه من شعارات، وما تردده من هتافات، بل وحتى ما هو أخطر من ذلك، ما تدعي أنها تناضل من أجله من برامج.

ينطلق هؤلاء المتشائمون في توصيفهم لهذا المشهد السياسي العربي من مجموعة من الظواهر، يمكن حصر الأهم منها في النقاط التالية:

  • مراوحة المشهد السياسي العربي في مواقعه التي سبقت الأحداث، والتي كان البعض منها، كما يعتقد ذلك المشاهد، من الأسباب الرئيسة التي ولدت الحراك العربي، الذي جاء، كما زعم قادته، من أجل الإصلاح إن لم يكن التغيير. ولو أخذنا البلاد العربية الرئيسة التي اجتاحتها موجات ذلك الحراك، مثل مصر وسوريا، بل وحتى تونس التي أشعلت فتيل نار ذلك الحراك، لوجدنا الصورة قاتمة. ففي مصر على سبيل المثال لا الحصر، عادت المؤسسة العسكرية، التي كان من المفترض إزاحتها من السلطة كي تحكم سيطرتها عليها، وتمسك بزمام الحكم من جديد. تغيّرت الوجوه، دون تغيير يذكر في الجوهر. يضاف إلى ذلك تراجع مؤسسات المجتمع المدني، لصالح المؤسسات الدينية المتطرفة، وليس المرنة، كما كان متوقعا.
  • تراجع هوامش الديمقراطية إلى درجة بلغت أسوأ مما كانت عليه قبل انطلاقة ذلك الحراك. بل شاهدنا قادته يزج بهم في السجون وتوجه إليهم تهم تصل عقوبة البعض منها إلى الإعدام. وفي المقابل تسلق بعض الانتهازيين، أفرادا ومؤسسات هرم السلطة، حتى باتوا يتبأون، دون أي حق مشروع، أعلى المناصب في دوائر صنع القرار فيها.

-   وصول الحوارات المتتالية سواء تلك التي اقتصرت على القوى المحلية، أو حتى تلك التي أدارت موائدها قوى دولية أو إقليمية، إمّا إلى طرق مسدودة، أو ضياع في دهاليز تلك الطرق. يحدث ذلك رغم استمرار دعوات القوى ذات العلاقة كافة، ودون أي استثناء، بضرورة الدخول إلى غرف تلك الحوارات، وتبشيرهم بجدوى مخرجاتها.

في البدء لا بد من التأكيد على حق المشاهد الحق فيما ذهب إليه، دون أن يعني ذلك صدق نبوءته، أو سداد استنتاجه، بشأن حلكة سواد الصورة. فما ينبغي التأكيد عليه هنا، هو أن ما يجري، دون الترويج له أو القبول به، هو حالة عرفتها العديد من الدول التي سبقتنا على طريق التأسيس لمجتمعات مدنية متحضرة، لحل الخلافات بينها بطرق معاصرة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه وبإلحاح لماذا فشلت تلك الحوارات العربية، وما هي الأسباب التي قادتها إلى الطرق المسدودة، أو الضياع؟

يتطلب الخروج من هذه المراوحة في الحوارات التي عرفتها الساحات العربية التي عرفت ذلك الحراك توفر مجموعة من العوامل، ربما الاهم من بينها هو ضرورة بروز طرف – قوة منفردة أو مجموعة من القوى المتحالفة- متميز، يتفوق على الآخرين، من حيث القوة، ويتجاوز الآخرين على مستوى النفوذ، ويبزهم على صعيد الأوراق التي بحوزته. مثل هذا الطرف لا بد له أن هو أراد النجاح في مهمته أن يمتلك بين يديه مشروعا قابلا للتنفيذ، قادرا على جر الآخرين، مرغمين او موافقين، لصالح ذلك المشروع، الذي يفترض فيه حينها أن يكون قادرا على حوصلة مصالح الأطراف المتصارعة، بحيث تتراجع صورة الغالب والمغلوب، كي تحل مكانها تلك التي تحقق المصلحة العامة، كي يشعر الجميع- وليس الطرف الأقوى فحسب-  والمقصود بهم جميع القوى المؤثرة وليست تلك الهامشية، بالنصر، أو بالاستفادة، عند القبول بذلك المشروع الذي يفترض فيه الريادة والمصداقية.

من جانب آخر، وعند البحث عن العامل السلبي الذي ما يزال يحول دون وصول المتحاربين إلى ما يضع حدا للصراعات، تبرز أيضًا مجموعة من العوامل، يمكن القول بأنّ الأبرز بينها هو عدم وصول المجتمع العربي، بما فيه قواها السياسية الطليعية التي يفترض فيها أن تمتلك الكثير من مقومات المجتمع المدني المتحضر، إلى المستوى الحضاري المطلوب القادر على إخراج الجميع من ساحات الوغى، والزج بهم في غرف الحوارات.

هذا المستوى المتحضر من النضج، وكما يبدو من النتائج التي نشاهدها على أرض الواقع، ما يزال تفصلنا عنا نحن العرب مسافات فلكية، إن لم تكن ضوئية. ومن ثم، ومن أجل الخروج من دوامة الحروب، بات المطلوب الاتفاق على ذلك الطرف الأقوى نسبيا بين الأطراف الأخرى، والموافقة حضاريا على تقديم بعض التنازلات من جميع الطراف كافة، والوصول إلى نقطة متوسطة بين الأطراف التي تقف على محيط الدائرة وترفض التقدم نحو المركز حيث تقع نقطة الالتقاء.

وعلى هذا للطريق؛ لا بد من التخلص من نزعة الربح المنفرد، والمكسب الذاتي الأناني، لصالح ما هو مشترك، ومن أجل مصلحة وطنية خالصة.