أزمات العرب بلغت القمَّة.. فماذا بعد؟!

 

 

حَمَد العلوي

عندما نَصَح الزعيم جمال عبدالناصر ذات مرة الوفدَ العراقيَّ الزائرَ للقاهرة بعدم التعرُّض لدولة الكويت، لم يقل ذلك لأنه لا يحلم بالوحدة العربية، ولكنَّ ذكاءه الفطري القيادي، جعله يتوجَّس من الخطر الذي نعيشه اليوم؛ فبعد احتلال الكويت من قبل العراق انفرط العقد العربي، فهو كان يرى بحدس الزعامة والقيادة هشاشة وضع الأمة، وكان يَرَى أنها أمة أوهن من بيت العنكبوت، بما زرعته فيها الدول الغربية من بذور الشقاق والنفاق، وبما أوغلته بين أوصالها من براعم لحركات أثمرت اليوم الدواعش وأخواتهم، والغرب يحصدُ اليوم خير ما بذر، والعرب يحصدون شرُّ غفلتهم، وتآمرهم مع الغرب بخيانة الوطن، فقد أدخلتهم الغفلة وحبُّ السلطة متاهات كثيرة، ولم يدركوا أنها لا محالة زائلة، لأنها من الأصل سلطة مغتصبة وليست لهم، ولكنها منحت ممن لا يملك لمن لا يستحق، وذلك مقابل تمرير مشروع السيطرة على المقدسات الاسلامية من خلال مشروع ناعم مدنس، حتى لا يظل من يقول "وإسلاماه" فينجد مظلوماً ويرد طاغية، بل "واداعشاه" لنصرة ظالم وذبح مظلوم، فأصبح الإسلام محل الإرهاب.

إذن، هذه الحروب والخراب الذي أُشعل في أرض العرب، قد آن لهذه الشعوب أن تخمده وتطفئ عن قريب، وهذه ليست معلومات (ويكيليكسية) وإنما قراءة تاريخية، وتحليلية لما يقوله الخبراء والباحثون، فصمود سوريا واليمن، سوف يختصر بهذا الصمود بعض الزمن على الأمة العربية، لأن ما حدث في السنوات الخمس الماضية، قد هتك المستور المخفي عن أعين العامة، فلم يعدْ سرًّا بين مكاتب الرسميين والمخابرات، وما حدث من هزات في خريف العرب، وقد نُظر إليه على إنه "ربيع في الجانب الغربي" لم يكن ثورة حقيقية بمعنى الثورة؛ لأنها وببساطة شديدة لم تظل طويلا في يد أصحابها، وإنما اختطفها الغرب من خلال أعوانه، وإن مشاريع التقسيم التي كانت الكويت طُعْمَ المصيدة فيها، ستفشل لا محالة وقد ظهرت بوادر فشلها، والشعوب بعدما ضاقت بالمر الذي فُرِض عليها، ستثور حتماً لاسترداد حقوقها وكرامتها، ستنصب زعماء حقيقيين لها.

لكن: هل سيغفر الغرب لأدواته ذلك؟! لا يعتقد، بل سيلجأ إلى تدميرهم وتقسيمهم، وقد أخذ يلوح في الأفق بعض التسريبات عما قادماً لهم في قابل الأيام، وسيؤكد لنا حقيقة النوايا نوع الرئيس القادم في الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم، والعالم يعرف أنَّ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ينتخب على رأس مشروع مخطط ومعتمد، ومعظم الناس يتذكرون كيف كانت الانتخابات عسيرة ومعقَّدة، وذلك حتى أوتي ببوش "الصغير" على رأس مشروع حربي وكان شعاره، من ليس معنا فبالضرورة ضدنا، ولكن اليوم وقد تغير وجه العالم، بوجود روسيا "بوتين" وإيران صديقة وليست عدوة، والصين قوة عسكرية واقتصادية، فإن المساحة أصبحت تضيق أمام الأمريكان، خاصة بعد فشل انقلاب تركيا، واحتمال كبير تغير البوصلة باتجاه آخر، إذن مجال المناورة سيكون في مناطق القليلة المساحة، وهي لن يكون قلب روسيا ومحورها عليها قلقاً.

إذن، على حلفاء الأمس أن يستعدُّوا لمعركة بين "الفيل والحمار" على أرضهم طبعاً، وهذا العراك ليس بسبب خلاف سيبدر منهم تجاههم، فهم حاشاهم أن يخلِّوا بالطاعة للأمريكان، ولكن الأمريكان والغرب عموماً، سيحاولون إدرار الضرع الذي قرب أن يجف، فسوف تقسم بلاد المحبين قسمة ضيزى؛ لأنهم يعلمون يقيناً أنَّ محور روسيا لن يعترض، ولا يشترط أن تقسم الثروات مع التقسيم الجديد، بل سيكون هناك دويلات فقيرة جدًّا، على شأن تظل تطلب النصرة والحماية، ودويلات غنية جدًّا، على شأن تظل محل طمع الدويلات الفقيرة في ثرواتها، وفي الوقت ذاته ستحتاج إلى حماية الغرب، ودويلات ذات نزعة وطنية، يعبأ رأسها بأن الواجب الوطني يفرض عليها شن حروب لتوحيد الوطن المقسم، وبذلك سينقلب السحر على الساحر، فالذي يراد تسويقه اليوم في اليمن، هو عينه سيرتد على وسيط التسويق المكلف.

لقد قرب يوم الخلاص من الفتن والمؤامرات، وعلى العرب أن يستعدوا لتغيير النهج، وتحويل المسار باتجاه القومية العربية؛ وذلك من حيث السياسة والمشاعر العاطفية تجاه بعضهم البعض، ولكن تذكروا ما قاله زعيم العروبة عبدالناصر، إنه يجب احترام الكيانات العربية لبعضها البعض، وأن لا يفكروا إلا في التعاون الأخوي، أما بالنسبة للوحدة القسرية، أو حتى الطوعية قد انتهى، وربما يؤرخ له منذ عام 1971م، يوم خرجت بريطانيا كآخر مستعمر فعلي للمنطقة، إنما أي اتحاد أو محاولة ضم قسري، مجرد مضيعة للجهد والوقت، وليس من شيء أفضل اليوم من التعاون الثنائي، أو الإقليمي المؤطر بإحكام، وضمن ميثاق شرف عربي جماعي، وليس هناك من تاريخ يؤكد بقاء الأزمات في القمة لفترة طويلة، ويقول العرب: ما ضاقت إلا فرجت، الشرُّ مهزوم بقوة الخير.   

Safeway.om@gmail.com