على هامش الدراسة الجامعية.. تعلمت معنى المثل الشعبي "الصاحب ساحب"

سكن الطالبات.. جامعة إضافية للدروس الإنسانية والمهارات الذاتية

 

 

رصدت التجربة – عزة الحسيني

فرحت "هـ. ك" كغيرها من المُجتهدين بإعلان نتائج القبول الموحد لتحصل على مقعد دراسي في جامعة تقع بالعاصمة مسقط وتبعد عن مدينتها 4 ساعات، لم تكن المسافة الطويلة مُتعبة مقارنة بحلمها الذي كان أكبر من كل المسافات، هكذا كان يلمع آخر مشوار الإنجاز في عينيها غير آبهة بما سيحدث لها. أكملت إجراءات القبول في المؤسسة التعليمية وفوجئ والدها بعدم توافر سكن داخلي يُبدد لديه شعوره بالقلق نظراً لبُعد المسافة، لكنه سمع من جاره أبو كوثر أنّها ستسكُن مع طالبات بالكلية نفسها، وأن ابنته كوثر بنفس السكن لكن جاره الآخر قال له لا تخسر سمعتك من أجل كلية يكفيها هذا العلم الذي تلقته بالمدرسة "حط بنتك بعيونك وقدامك، لا تعقها في بيت ما عارف ساسه من راسه" ولأنه كان يُدرك أهمية العلم قرّر أن يتخلى عن الخوف لأجل الشهادة الكبيرة.

التحقت بالجامعة بعد أن كانت تعيش في مجتمع يكبت رغباته ويقف على العادات والتقاليد البالية وينزوي بعيداً عن كل بادرة للانفتاح، وها هي ترى الأزرق والأخضر والأحمر بذات العين التي تعودت على السواد فقط. وتعود إلى سكنها وهي صامتة وكلما شاهدت إحدى زميلاتها تضع أحمر الشفاه تتمتم "استغفر الله يا بنية حرام حرام" حتى أنّها وضعت حاجزًا بينها وبين زميلاتها فقد كانت تشاركها الغرفة 6 طالبات من كل أنحاء السلطنة وكان العدد كبيرًا لكنه أهون من دفع 200 ريال مُقابل السكن في غرفة لوحدها.

وأصبحت منعزلة عن الجميع بسبب طريقة تفكيرها الرجعية على حد وصف زميلاتها، وكان الإحساس بالوحدة يتمكن منها يوماً بعد يوم حتى قررت في مرة أن تضع أحمر الشفاه وتخرج من الغرفة مطبقة على شفتيها مغمضة عينيها.. هكذا نواجه خوفنا لأول مرة بالظلام والصمت، وكانت تعتقد أنّها تمتلك قوة عظيمة لأنها أقدمت على هذا الفعل وتوالت المرات حتى أصبحت لا تستطيع الخروج دونه.

وكانت تقف على النافذة كل ليلة وترى زميلتها بنت القرية تتحدث إلى شاب غريب ولم تتمكن من الحديث عنه أمامها بل إنِّها كانت في قرارة نفسها تبحث عن شاب يمكنها أن تحدثه كما تفعل كوثر. ولأنّ السكن يوفر خدمة الإنترنت شغلت نفسها بمتابعة المنتديات وبرامج الشات ووزعت أسماءها الوهمية على الشبكة وبدأت بالحديث هنا والضحك هنا حتى أصبحت لا تنام ليلاً ولا تؤدي الفروض الجامعية أيضًا وكل حديثها عن الشات وعضوية المنتديات، حتى قال لها صاحب اسم وهمي على برامج الشات: أحبك.

شعرت فجأة برغبتها في إبلاغ كل بنات السكن بهذا الأمر، رغبتها في أن تصرخ أمام الجميع لتقول لهن: لستن الوحيدات من يحصلن على الاهتمام من الجنس الآخر. كانت تقوم بكل شيء حتى ترضيه تخرج دون استئذان وتعود متأخرة، حتى أوقفه أمن الجامعة يومًا وكانت معه لإصدار مُخالفة على السيارة لكنه لاحظ ارتباكها وما أن أتى إلى النافذة حتى أقرت بكل شيء ووقعت على تعهد بعدم تكرار هذا الأمر مجددًا وكان الجار الضابط الذي استلم التعهد، وسألها عن عائلتها، ولامها على خيانة أمانة الأسرة.

وكانت الليلة مُرعبة. عادت إلى السكن وكل ما تنتظره اتصال أبيها. لكنه لم يتصل وكان ذلك كفيلاً بأن يقتلها ببطء شديد. حاولت إكمال ما تبقى لها من سنوات دراسية بعد أن كانت تمر بتخبط دراسي كبير، واستطاعت تجنيد ما تبقى من عزيمة وكرست كل طاقتها لإتمام الدراسة. وهي تعمل حالياً في إحدى الشركات كما كانت تحلم، بعد أن تعلمت معنى المثل الشعبي "الصاحب ساحب"، لتُدرك خطورة الانجرار وراء لعنة التقليد في السكن الجامعي، أو في أيّ تجمعات من زملاء الدراسة أو العمل فيما بعد.

 

تعليق عبر الفيس بوك