السياسة العمانية والاقتصاد

خلفان الطوقي

 

سوف يجد المُتابع للثوابت السياسية العمانية منذ القدم أنها تقوم على الحياد والحوار والتسامح وجمع الفرقاء ونشر قيم السلام النبيلة في كل محفل دولي فعُمان من الدول النادرة التي تؤمن بمبدأ عدم الانحياز، واستمر الحال واكتمل المشهد بالكلمات الراسخة في عقل المواطن العُماني والتي جاءت واضحة ومُعلنة في حديث جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- في المؤتمر الصحفي الذي جمع رؤساء تحرير كل الصحف والمجلات الموجودة في أرض السلطنة في عام 1985م، عندما قال "إنني أريد أن أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلداً لا تربطه صداقة بعُمان" والحمد لله سرنا على نفس الدرب الراسخ وسوف نستمر على هذه الثوابت اﻹنسانية الصلبة.

السؤال المطروح في هذه المقالة، هل استفادت حكومة عمان من هذه العلاقات الدبلوماسية بالشكل المأمول، وهل يمكننا أن نستفيد بشكل أكبر؟ وكيف يمكننا تعظيم هذه العلاقات الدبلوماسية والاستفادة منها في النواحي الاقتصادية أيضاً؟

 

مثلما هو معروف فإن عمان صارت تتمتع بعلاقات دبلوماسية قوية مع كافة دول العالم، وذلك بفضل الثوابت السياسية الراسخة بالرغم من الضغوطات الدولية التي لا نود أن نخوض فيها، والشواهد تثبت صحة مواقفنا والدلائل توضح ثقة الدول الكبرى بصحة مواقفنا السياسية، وظهر ذلك جلياً في عدة مبادرات دولية سابقة، وبما أنها ثوابت فكان لابد أن نستفيد منها في هذا العالم المتغير ومعطياته الدينامكية، فياترى ما هي الأدوات التي يمكننا أن نقوم من خلالها بتفعيل علاقتنا السياسية وربطها بالنواحي الاقتصادية كتعزيز جذب الاستثمارات المباشرة، وما هو الدور المأمول من المسؤولين الحكوميين في استغلال هذه العلاقات الطيبة لجذب مزيد من الاستثمارات إلى السلطنة.

 

هناك عدة أدوات ومقومات أولها تواجد أكثر من 48 من سفارات وقنصليات السلطنة في العالم، خاصة وأنّ معظم هذه السفارات ليس بها الكثير من ضغط العمل اليومي لقلة وجود الجاليات العمانية، وقلة العمالة القادمة إلى السلطنة من تلك الدول، وكما هو معروف فإن عمان اتخذت من السلم أساساً لسياستها مع جميع الدول، لذلك قلّ أن تجد فيها خلافات تزيد من ضعط العمل لموظفي هذه السفارات.

 

من الأدوات المهمة أيضاً اللجان الثنائية بين السلطنة والدول الأخرى والتي يمكن لها أن تلعب دوراً أكبر، وعدم اقتصار دورها بظهورها في وسائل اﻹعلام مرة كل عدة أعوام.

 

وتحقيقاً لمبدأ رب ضارة نافعة، وبسبب أزمة أسعار النفط الحالية فقد حان لكل جهاتنا الحكومية أن تقدم أفكارًا مبتكرة وتقدم حلولاً غير تقليدية من خلال الاستفادة القصوى من الموارد البشرية، ولأنّ الحديث هنا عن أهمية الدبلوماسية العمانية وكيفية تعظيم دور سفاراتنا وإعطاء دفعة إضافية للعمل الاقتصادي بالإضافة إلى أدوارهم السابقة والروتينية كالعمل القنصلي والمحافظة على علاقتنا الدبلوماسية مع الدول الأخرى.

 

فمن وجهة نظري المتواضعة، يمكن للسفارات أن تلعب دورًا محورياً في جذب الاستثمارات من خلال عدة خطوات أهمها التنسيق مع شريكتها وهي الهيئة العامة لترويج الاستثمار وتنمية الصادرات "إثراء" ، وإيجاد طرق أجدى وتكثيف وتفعيل التعاون بين سفاراتنا وبين بعض مكاتب الترويج التابعة لغرفة تجارة وصناعة عمان، وإعادة تقييم عمل اللجان الدولية الثنائية المشتركة وتحديث أجندتها لتركز على الجوانب الاستثمارية

 

بالرغم من وجود بعض هذه المبادرات في وزارة الخارجية العمانية، ولكن ومن خلال متابعتي أرى أنها غير مستدامة، وتظهر حسب الظروف وبشكل خجول، ولكي يكون هذا الدور مستدامًا، فمن المحبذ أن يكون هناك توجها وتوجيها مؤسسيا من وزارة الخارجية لتفعيل هذا الدور بين سفاراتها، ويجب أن يعقد اجتماع سنوي للسفراء في عُمان للقاء الوزراء المسؤولين عن الاقتصاد لمناقشة قضايا الاستثمار وكيفية تفعيل الاتفاقيات المبرمة مع الدول والاستفادة منها بالدرجة القصوى، ولتفادي تباين قدرات العاملين في سفاراتنا أرى أنّه من الأهمية القصوى تحديث برامج المعهد الدبلوماسي ليشمل بل يركز في أهمية إثراء وتوعية الدبلوماسين الذين يمثلونا خارج السلطنة ليركزوا في جذب الاستثمارات والترويج لعُمان في المحافل الدولية، وأن يكون عملهم لا يقتصر في حضور الحفلات البرتكولية وإنهاء بعض المعاملات الإدارية فقط.

 

خلاصة القول هو أنّ المرحلة الحالية تتصف بالمنافسة الشرسة بين الدول لاقتناص الفرص، وبما أنَّ عمان ترغب في اقتناص الفرص لجذب استثمارات لبلدنا، علينا أن نعي أن دولاً كثيرة تتنافس على نفس الفرص، لذلك أصبح لازمًا تأهيل قوى بشرية ديناميكية تعي متطلبات المرحلة وتكون لها ريادة صنع الحدث، ولكي تتمكن السلطنة من اقتناص الفرص لابد أن تكون مواردها البشرية تتقن التفاوض على أعلى درجاته خارجياً لاقتناص الفرص الاستثمارية، وداخليا من خلال إقناع الجهات المعنية مثل وزارة القوى العاملة والسياحة والتجارة والصناعة والشرطة وباقي الجهات المعنية بالاستثمار لتطوير وتجديد منظومة التشريعات والقوانين للمناخ الاستثماري في السلطنة من خلال العمل التكاملي الشامل.