"الأمم المتحدة" خصصت 21 مارس من كل عام لتعزيز الوعي بحقوق هذه الفئة

مختصون ومواطنون: الدمج المجتمعي يساهم في تنمية مهارات أطفال "متلازمة داون" وتحسين نوعية الحياة

 

 

 

الرؤية - عزة الحسيني – شذى الخروصي

 

قال عددٌ من المختصين والمواطنين إنّ الكثير من الآباء والأمهات يشعرون بالصدمة وخيبة الأمل إذا أصيب طفلهم بمتلازمة داون، وبعد التَّغلب على الصدمة الأولى يجد معظمهم أنَّ الطفل مثل أي طفل آخر، يحتاج إلى الحب والرعاية التي يحتاجها كل الأطفال في مثل عمره. وشددوا على أنَّ الدمج من أهم حقوق هذه الفئة لأنهم ليسوا مرضى بالدرجة الأولى وإنما هم فقط من متأخري النمو، مشيرين إلى أنّ الكثير من تجارب الدمج العائلي والمدرسي والمجتمعي بصفة عامة أثبتت نجاحها ويجب تعميمها قدر الإمكان بمُساعدة الجمعيات المختصة وتمويل كافة الجهات المعنية وشركات القطاع الخاص والمجتمع المدني.

وتُعرف متلازمة داون بأنّها مرض ينجم عن تشوه جيني يسبب تأخراً في النمو البدني والعقلي وهي متلازمة صبغوية تنتج عن تغير في الكروموسومات حيث توجد نسخة إضافية من كروموسوم 21 أو جزء منه مما يُسبب تغيرا في المورثات وتتسم الحالة بوجود تغييرات كبيرة أو صغيرة في بنية الجسم، ويصاحب المتلازمة غالباً ضعف في القدرات الذهنية والنمو البدني وبمظاهر وجهية مميزة. ومتلازمة داون الآن معترف بها كواحدة من الاحتياجات الخاصة التي يُمكن أن تؤثر على الناس وفي عام 2006، خصصت المنظمة العالمية لمتلازمة داون 21 مارس كيوم عالمي لمتلازمة داون. وفي هذا اليوم تشارك المنظمات المتخصصة بفعاليات حول متلازمة داون في جميع أنحاء العالم في مُناسبات مختلفة لرفع مستوى الوعي العام بمتلازمة داون، وتعريف الفرد والمجتمع بحقوق هؤلاء الأطفال، مطالبين بضرورة دمجهم مع كافة شرائح المُجتمع حالهم حال أقرانهم الأسوياء، محذرين من وجود تبعات نفسية واجتماعية وتعليمية وصحية أيضًا في حال تم نبذهم والتشهير بهم.

وقال الداعية مُنذر السيفي إنّ النمو الاجتماعي عند الأطفال والراشدين يتضمن مجموعة من القدرات والمهارات التفاعلية الاجتماعية ومن أهمها عمليات الفهم والصداقات والعاطفة والمهارات الأخرى، كاللعب وقضاء أوقات الفراغ وهذه المجالات تناولتها الأبحاث التربوية عند أطفال متلازمة داون لمقارنتهم بغير المُعاقين حيث تبين أنّ التفهم الاجتماعي والتعاطف ومهارات التفاعل الاجتماعي تكون نامية بشكل كافٍ لدى أطفال متلازمة داون والتي تمّ اكتسابها عبر الحياة مما يطور الدمج المجتمعي وتحسين نوعية الحياة ومن وجهة نظري تنمية الصداقات بين أطفال متلازمة داون وبقية الأقران أمر مُهم ويطور من مستوى هذه الفئة وقد أقرت هيئة الأمم المتحدة 21 مارس من كل عام يوماً عالمياً لمتلازمة داون من أجل تعريف العالم بتلك المتلازمة ولتعزيز الوعي المجتمعي بين شعوب العالم بها.

 

صعوبة التواصل الاجتماعي

ومن المشكلات التي تواجه هؤلاء الأطفال بحسب السيفي: صعوبة التواصل الاجتماعي مع الآخرين وذلك بسبب غياب الوعي والثقافة المجتمعية السليمة للتعامل مع هذه الفئة، كما تحتاج هذه الفئة إلى تأهيل نفسي وتعليمي والخضوع للإشراف الطبي الدوري، ويتوجب علينا دمجهم في المجتمع لما يحققه من اتساع خبراتهم وذلك يُبدد الفكرة السائدة بضرورة عزلهم عن المحيط بدور رعاية خاصة فإننا يجب أن نُقدمهم للمجتمع لإتاحة الفرصة السانحة لهم للتعبير عن أنفسهم وتصحيح الصورة النمطية عن هؤلاء الأطفال والمفاهيم والسلوكيات السلبية السائدة مثل الخجل من وجودهم والعمل على تطوير خبراتهم وتحفيزها من خلال الوسائل التعليمية المختلفة.

وأضاف السيفي أنّ حكمة الله عزّ وجلّ اقتضت أن يكون بعض خلقه يعانون نقصاً في بعض القدرات وهو امتحان من الله لخلقه وإلا لما كان ابتلى سيدنا أيوب عليه السلام بمرض جسده وهذا دليل على قدرة الله في كونه يخلق ما يشاء وهو قادر على تعويضهم بقدرات تجعلهم متساويين قال تعالى "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ".، والإسلام يدعو إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وعدم إهدار القيم الإنسانية وحقوق الأفراد، ولأنّ طفل متلازمة داون إنسان قبل كل شيء ويمكن إدماجه وتأهيله وتحويله إلى قوة مُنتجة تساهم في الدخل القومي، والدين الإسلامي يأمر بتعزيز التأهيل المهني بعد دراسة صفات الإنسان العقلية والنفسية والبدنية وتحديد الميول والخبرات والتوجهات مع القدرات.

وأشار السيفي إلى أنّ الإسلام أكد ضرورة التربية التطبيقية المهنية وفي السيرة النبوية الكثير من الأمثلة لمن قام بأعمال جليلة بالرغم من وجود الإعاقة كعبد الله بن أم مكتوم الذي كان كفيفًا والعلامة عطاء بن أبي رباح كان أعورًا وفي تاريخنا العماني الحافل الإمام نور الدين السالمي كان ضريرًا وأسس دولة امتدت لنصف قرن من الزمن والعالمة عائشة الريامية كانت ضريرة أيضاً ولكنها من كبار العلماء العُمانيين ومن خلال هذه الأمثلة يمكن الاستدلال على أنّ الإعاقة ليست عائقاً يحول دون الإبداع إذا ما حسن استغلالها.

 

في ميزان الطب

وقال الدكتور أحمد الفارسي طبيب أطفال بالمجلس العُماني للاختصاصات الطبية إن أطفال متلازمة "داون" هم الأطفال الملائكيّون كما أسميهم، فهم يبعثون في قلب من يراهم السعادة العارمة والبهجة الكبيرة.. كيف لا، وهم – بخلاف كثير من المتلازمات الأخرى – اجتماعيّون جدًا، اجتماعيون إلى حدٍّ مفرط .. فتراهم يبتهجون عندما يكونون في مكان عام، ويسعدون عندما يحاطون بأناس في مجتمع ما، ويتسابقون لتحية غيرهم ومبادرة الآخرين بالابتسامة، وهم من أسهل البشر انخراطًا في نشاط ما، ومن سبق له التعامل معهم يعي تماماً ما أقول.

وأضاف الفارسي أنّ إعاقتهم لا تشكل حاجزًا كبيرًا أمام قدرتهم على التعلم والفهم والاستيعاب والتطبيق، بل والإنجاز والإبداع في سوق العمل، والأمثلة على هذا كثيرة، فنسبة التأخر الذهني لديهم ليست بالنسبة الكبيرة، تراهم قادرين على مواكبة التعليم سواء في مدارس خاصة (إن توفرت) وفي مدارس حكومية برعاية خاصة في أغلب الأحيان. ومن الناحية الطبية فإنّ جيناتنا جميعًا تحتوي على نسختين لكل كروموسوم، أما جيناتهم فتحتوي على ثلاث نُسخٍ للكرموسوم الحادي والعشرين،  فهم وإن اختلفوا عنا في كرموسوم واحد ...فهناك 22 كرموسوماً آخر تجعلهم متشابهين معنا تماماً وفي كلِّ شيء.

وأوضح الفارسي أن العلم توصل إلى وجود ثلاثة أنواع من هذه المتلازمة، تختلف باختلاف السبب الذي أدّى إلى هذا الاعتلال الجيني، ثم وباختلاف الأنواع تختلف شدة المرض وطبيعته، فمثلا: المصابون بمتلازمة داون من النوع الأخير "موسايزم أو النوع الفسيفسائيّ"  تكاد لا تدرك أنّهم مصابون بالمتلازمة أصلاً فهم كالأسوياء تقريباً في كل شي، ولا تستطيع الجزم إلا بتحليل دمائهم..

واختتم الفارسي بقوله إنّ أطفال متلازمة داون قد يحتاجون إلى مراجعة الطبيب بين الفينة والأخرى شأنهم شأن باقي الأطفال وشأن باقي الأمراض، إلا أن الأمر الأهم هو التأكيد بأنهم أطفال قادرون - بل مبدعون-  في التعايش مع من حولهم والإلمام بالمحيط والانخراط في المدارس بل والجامعات والتميّز في سوق العمل.. هم قادرون على فهم المجتمع.. فهل يا ترى هذا المجتمع قادر على فهمهم؟.

 

التربية والمجتمع

وقالت موزة عبد الله باحثة اجتماعية إنّ متلازمة داون لا تعني أن الطفل معاق ومريض فهو فعلياً يُعاني من بطء في النمو فقط، ويمكن تجاوز مرحلة المرض مع أهالي الأطفال وتخليصهم من خلال الدورات التعليمية والنفسية من العديد من المشاكل الأسرية  في الوقت ذاته. وأرى ضرورة سد الفراغ لدى أبناء هذه الشريحة والأخذ بيد أبناء هذه الفئة ودمجهم كباقي أقرانهم في المجتمع من جهة، وتوعية المجتمع المحلي بهذا المرض من جهة أخرى، وذلك من خلال المشاركة بالندوات والمهرجانات والفعاليات لتسويق المعلومة عن أطفال داون وتصحيح المفاهيم الخاطئة التي درجت في المجتمع إتجاههم.

وأضافت موزة أنّ الضرر يكون أكبر على أطفال متلازمة داون بدمجهم مع الإعاقات الأخرى، فهم أطفال مقلدون لكل الحركات، ما يؤدي إلى أضرار عكسية وسلبية، والصحيح هو دمجه مع أطفال أصحاء ليقوم بتقليدهم في الكتابة والحركة والتواصل الاجتماعي.

وذكرت عائشة ناصر مختصة في الجانب التربوي أنَّ طفل متلازمة داون قادر على التعايش مع المجتمع المدرسي والاندماج فيه، شرط أن يتعاون الأهل مع الطاقم المدرسي من إداريين ومعلمات وحتى أولياء أمور،  وأن يتم الدمج على أساس عمره العقلي أو النمائي وليس عمره الزمني، حتى تقل الفروقات بينه وبين بقية طلاب فصله، وألا يكون هو الوحيد بالفصل الذي لديه متلازمة داون؛ لكي لا يتم عزله ونبذه عن بقية الطلاب بل يكونوا أكثر من واحد لكي يستطيعوا الاندماج بسلاسة مع البقية ويتقبلوهم بينهم.

 وأضافت عائشة أنّ من الأمور التي لابد أن توضع في الحسبان أن يتم تهيئة الطلاب الآخرين بالفصل لقبول هذا الطالب، فمثلاً المعلم يُعطيهم مختصراً عن نوع إعاقته ويبينها لهم بشكل إيجابي وليس سلبياً أي يركز على نقاط تشابه الطفل معهم وليس اختلافه فقط عنهم، والأهم من ذلك أن تكون المدرسة مهيئة لاستقبال طفل متلازمة داون، بحيث تكون هناك غرفة مصادر ومعلمة مرافقة للطفل تساعده في توضيح الدروس أكثر وأيضاً يكون بينها وبين المعلمة الأساسية تعاون وتنسيق مسبق، ليتم اختصار المنهاج بما يناسب قدرات الطفل وتراعي مواطن الضعف والقوة لديه. وأمر آخر لعله لا يقل أهمية وهو أن تكون مرافق المدرسة صحية ومُيسرة للطفل ليستطيع استخدامها بشكل صحيح دون أن يحتاج أحداً معه.

 

جمعية متلازمة داون.

وأكد أحمد الجابري رئيس مجلس إدارة الجمعية العمانية لمتلازمة داون أهمية دور الجمعية لأنّها الوحيدة في البلاد التي تحتضن وتعتني وتؤهل وتدرب وتدرس الأطفال المتصفين بمتلازمة داون وتعنى بإيصال المطالبات بحقوقهم الشرعية الطبيعية كجميع المواطنين العمانيين والتي كفلها ورعاها لهم والدنا ومولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم- حفظه الله ورعاه- فهم لا يطالبون بغير حقوقهم التي تمّ التوقيع عليها من قبل الجهات الحكومية والأمم المتحدة. لكن الجمعية تحاول تذكير بعض المسؤولين بضرورة منح هؤلاء المواطنين حقوقهم ومتطلباتهم اليومية والتي هي قليلة جدًا مقارنة بما يحصل عليه الآخرون بها فلماذا لا يحصلون عليها إلا بشق الأنفس؟.

وأشار الجابري إلى أنّ مستوى التعاون ما زال ضعيفاً بين  المجتمع والجمعية ربما لحداثة الجمعية. وهناك خطط وبرامج سنحاول في المرحلة المقبلة تكثيفها للوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع العماني لضرورة دمج ولتعليم المجتمع ماذا تملك هذه الفئة ونحن لا نملكه وماذا يمكنهم تعليمنا من المحبة والإخلاص والسلام.   

واختتم بقوله إنّ الجمعية تصنف ضمن الإنجازات المحققة حديثاً لكنها لم تصل بعد إلى مستوى الطموح والرؤى التي نتمناها وينتظرها هؤلاء الملائكة في سبيل تحقيق العيش الكريم معتمدين على أنفسهم ومنتجين لبلادهم تحت القيادة الرشيدة لمولانا صاحب الجلالة.

 

تجارب ومعايشة

وقال عيسى سالمين إنّ نظرة المجتمع لهم لا ترحم، فلماذا كل هذه الصور النمطية التي اُتخذت بحق هذه الفئة؟ فأنا شخصياً من مؤيدي دمج أصحاب متلازمة داون في المجتمع بكافة أطيافه ابتداء من الدمج الأسري والدمج مع الأهل والأقارب والجيران وبالشارع والمتنزهات وأماكن البيع وبكل مكان؛ فهم بشر لهم مكان بيننا فأينما نوجد نحن هم موجودون فهذا هو الأصل وهذه هي القاعدة العامة. وبالنسبة لدمجهم في المدارس أرى أن الأمر يعتبر حقاً لهم وأؤيده؛ إلا أنه يحتاج إلى تهيئة خاصة أولاً حيث يحتاج إلى تقبل وقناعة الأهل التامة ويحتاج إلى إصرارهم وعزيمتهم على منح هذا الحق لأبنهم، فعليهم برأيي الدور الأكبر لأن ابنهم يحتاج إلى متابعه حثيثة؛ فهم حتى في المجال المدرسي على افتراض أن ابنهم قد تم تسجيله فلا بأس من الأم أو الأب وبكل مهنية واقتدار أن يوضح ويشرح للكادر التعليمي والاداري ماهية طبيعة ابنهم.. فليس كل المعلمات مؤهلات لهذا الدور وقد يبدو الأمر عندهم غريبًا لكن الأمر سيبدو طبيعيًا يوماً بعد يوم ولا بأس من تعاون الأهل مع معلمة الطفل والتعامل معها ليس كالرقيب الحسيب وإنما المعلم المسهل الميسر ولا بأس أيضاً من تجاوز بعض الأمور بداية والتركيز على الجانب الإيجابي فالأمر يحتاج إلى صبر وحسن تصرف وتجاوز عن بعض الهفوات والأخطاء.

وقالت منى العبري إنّ أطفال متلازمة داون ذوي الحالة الخفيفة والمتوسطة من حقهم أن يتم دمجهم وتعليمهم مثل أقرانهم الأسوياء، فهم قادرون على الفهم والاستيعاب. ويمكن التغلب على فكرة الدمج من ناحية الصعوبات التي يواجهها الطفل في المدرسة من خلال تنفيذ خطة فردية للطفل وتعاون الأهل مع الطاقم المدرسي من أخصائي نفسي ومع معلم التربية الخاصة وأيضا مع المدير، وبهذا فإنّ تكامل كل طرف مع الآخر سيسهل عملية الدمج والتقبل بالتأكيد.

تعليق عبر الفيس بوك