الفساد .. العدو الداخلي

 

 

خالد بن علي الخوالدي

لسنا مُغفلين بل نحنُ على دراية بما يُحاك لنا ولعُمان الخير، ونثق تمام الثقة في أنَّ دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم سارية لهذا البلد حافظة له على مدى الحياة إلا أن الحبيب صلى الله عليه وسلم قال (اللهم لا تسلط عليهم عدوا من غيرهم)، فالعدو الخارجي الذي يتربص بنا يكفينا إياه الله ببركة دعاء الرسول الكريم ولكن العدو الداخلي من نخشى وهذا العدو متمثل حالياً في الفساد وعدم الإخلاص في العمل وانعدام الأمانة والضمير الحي إلا ما ندر وهذا ليس خاصاً بفئة دون أخرى، فقد زادت للأسف الشديد أعداد الفاسدين والمفسدين، سواء كانوا مواطنين عاديين أم مسؤولين بالدولة.

فمن يقبل الرشوة فاسد ومن يرشي فاسد ومن يستخدم أموال الدولة في مصالحه الشخصية فاسد ومن يتجاوز القوانين لأنّه يملك معارف في جهة معينة فاسد وأقول يتجاوز وليس من يساعد إنساناً على إنهاء مُعاملة قانونية، ومن يؤخر مُعاملات المراجعين بدون أسباب حقيقية فاسد، حتى أنا فاسد إذا خالفت القانون واستخدمته لأهداف شخصية، وقائمة الفساد تطول وتطول.

وأؤكد لكم بأنَّ فساد المسؤولين في الدولة نحن سببه فالمسؤول ليس من كوكب آخر فمثلاً وزير مُعين من مدير مكتبه؟ ومن الموظفين الذين يديرون أعمال الوزارة معه؟ أليسوا مواطنين! لذا فهم شركاء في كل فساد! فلماذا يسمحون بتمرير فساد المسؤول وتلاعبه وهدره لأموال الدولة؟ ولا أجد لهم المبرر في السكوت فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). وترتبط خيرية هذه الأمة ارتباطاً وثيقاً بدعوتها للحق، وحمايتها للدين، ومحاربتها للباطل؛ ولذلك امتدحها الله تعالى في كتابه العزيز حين قال "كُنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"، فإذا ضيعت الأمة هذا الواجب بالكلية، وأهملت العمل به، عمّت المنكرات في المجتمعات، وشاع الفساد فيها، وفي أداء هذا الواجب الرباني حماية لسفينة المجتمع من الغرق، وحماية لصرحه من التصدع، وحماية لهويته من الانحلال، وإبقاء لسموه ورفعته، ولن يتحقق هذا إلا إذا كنّا صادقين مع أنفسنا وملتزمين بتعاليم ديننا.

لذا علينا أن نرجع جميعاً من أصغر فرد وأصغر مسؤول في المجتمع إلى أكبر فرد وأكبر مسؤول في المجتمع إلى التمسك التام بأساسيات النهج الرباني السليم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك، ومحاربة الفساد مسؤولية الجميع، وكل فرد عماني مُطالب بأداء هذه المسؤولية على حسب طاقته، والخير في هذه البلد كثير، بيد أننا بحاجة إلى المزيد من الجهود المُباركة التي تحفظ للبلد بقاءها، وتحول دون تصدع بنيانها، وتزعزع أركانها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ردّ على الأعرابي الذي قال له أصلي الفروض ولا أزيد فقال عليه الصلاة والسلام (أفلح إن صدق) ونحن لن نحافظ على عماننا الحبيبة إلا بهذا فعلينا أن نتكاتف ونتعاون ونتآزر والقول يسري علينا (أفلحوا إن صدقوا).

فالمؤسسة الحكومية التي تعد إستراتيجية عمل على كل الموظفين بها مسؤولية تنفيذ هذه الإستراتجية لا أن تكون حبراً على صفحات الصحف، وكل مسؤول يطلق مبادرة عليه أن يتابعها بنفسه وينطبق عليه (أفلحوا إن صدقوا) والمواطن الذي ينتقد ولا هم له إلا تتبع أخطاء المسؤولين والموظفين عليه أن يعود إلى رشده ويبذل جهده في خدمة الوطن فالوطن يحتاج إلى كل يدٍ صادقة ومُخلصة ووفيه في كل وقت وكل زمان ويتبعون نفس القاعدة (أفلحوا إن صدقوا).

وأختم مقالي بما جاء في الكلمة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- التي ألقاها بمناسبة افتتاح الدورة الخامسة لمجلس عُمان بتاريخ 13 أكتوبر 2011م، (إن العمل الحكومي كما هو معلوم تكليف ومسؤولية، فيجب أداؤه بعيداً عن المصالح الشخصية، وتنفيذه بأمانة تامة خدمة للمجتمع، كما يجب سد كل الثغرات أمام أيّ طريق يمكن أن يتسرب منها فساد، وإننا نؤكد من هذا المقام على عدم السماح بأيّ شكل من أشكاله، وتكليف حكومتنا باتخاذ كافة التدابير التي تحول دون حدوثه، وعلى الجهات الرقابية أن تقوم بواجبها في هذا الشأن بعزيمة لا تلين تحت مظلة القانون وبعيداً عن مُجرد الظن والشبهات فالعدالة لابد وأن تأخذ مجراها، وأن تكون هي هدفنا ومبتغانا، ونحن بعون الله ماضون في تطوير المؤسسات القضائية والرقابية، بما يحقق تطلعاتنا لترسيخ دولة المؤسسات) ودمتم ودامت عمان بخير.

 

Khalid1330@hotmail.com