"سنُحوِّل عُمان إلى نروِيج الخَليج"

 

سُلطان بن خَميس الخَروصي

تُشكل السياحة رافداً مهماً في بناء الاقتصاديات الوطنية في ظل تراجع القيمة السوقية للسلع التي طالما هيمنت على عروش الشرق الأوسط وما على شاكلتها؛ إذ تبيَّن بعد حين الضعف الذي تعيشه اقتصادياتها المتشبِّثة بخلود البترول وأخواته حتى بدأت تشحذ لقمة المواطن وهدَّد أمنها الاجتماعي واستقرارها السياسي، إذ إنّ السلطة اليوم منوطة لدول المال التي تتحكَّم بإدارة حجر النرد في رسم خارطة العالم عبر نافذة  من يملك سلة هزيلة من المال كما هو حال المشرق والمغرب العربي، وقد لا يختلف اثنان أنّ السياحة كما هي استجمام وراحة بال للسائح فهي كذلك منبع مالٍ دفَّاق يساهم بصورة كبيرة في التنمية ورفد الاقتصاد الوطني، ولا يتأتَّى ذلك إلا بتطبيق معادلة بسيطة جدًا تقوم على توفير المؤسسة المعنية ما لم يكن في حسبان السائح مُقابل ما سيدفعه في سبيل الراحة والاستمتاع بسخاء ومحبة.

إنّ المتتبع لمؤشرات صناعة السياحة العالمية القائمة على تحقيق نماذج عصرية عالمية لجذب السيّاح من شتى بقاع الأرض يلحظ أنّ ثمة صناعة حقيقية لهذا العنصر الوليد في اقتصاديات الأمم؛ إذ أشارت إحصائيات منظمة السياحة العالمية (UNWTO) والتي تجري مسحاً سياحياً كل عشر سنوات أن عدد السياح في العام 2010 بلغ أكثر من 940 مليون سائح وقد تركزوا في عشر دول أوروبية وآسيوية وأمريكا الجنوبية، حيث تقدمتهن فرنسا (78 مليون)، تليها الولايات المتحدة الأمريكية (60 مليون)، وجاءت الدول الآسيوية في المرتبة الثالثة من خلال نافذة الصين (56 مليون)، وماليزيا في المرتبة التاسعة (24 مليون)، وتذيلت ترتيب العشر دولة المكسيك (22 مليون) سائح، وتشير الإحصائيات إلى أن النمو السياحي في أفريقيا شهد تطورا ملحوظاً بسبب نمو المرافق السياحية وجاهزية البنية التحتية؛ فتصدرت مملكة المغرب القائمة العشرية بــ(11 مليون)، تلتها جنوب أفريقيا (9.5 مليون)، وتذيلت قائمة العشر السنغال بــ(مليون سائح)، وحول دول الشرق الأوسط تصدرت القائمة المملكة العربية السعودية (17.4 مليون)، تلتها مصر (9.4 مليون) وتذيلت القائمة جمهورية اليمن (0.8 مليون) وخلت القائمة من سلطنة عُمان!.

بعد هذا الاستعراض المُبسط نعود للسياحة في عُمان والتي أساساً لم تكن على خارطة إحصائيات المنظمة العالمية على الرغم من أنّ عمر المؤسسة المعنية من عمر النهضة المباركة، والسؤال البسيط جداً الذي نطرحه في هذا المقام لماذا إحصائيات البلد في السياحة هزيلة؟، وبالعودة إلى مقابلة معالي وزير السياحة "ناصر المحرزي" في التاسع من أيار/ مايو 2013م مع (CNN) نجد أن ذلك اللقاء كان يُنبئ بمؤشرات قريبة لإنجازات سياحية نوعية، وهنا نستشهد ببعض ما جاء في تلك المقابلة ونحاول قراءة دلالاتها، فمما جاء في لقائه: "سنحول البلاد إلى نرويج الخليج"، وكذلك "سنعمل على وضع إستراتيجية للعقود المقبلة بعد تقييم الوضع السياحي في السلطنة والاستفادة من الإمكانيات الموجودة من بحر وصحراء وجبال ووديان وفصول أربعة متنوعة"، وجاء كذلك "لا يهمنا عدد السياح بل نوعيتهم" موضحاً نوعيتهم بقوله "إن أكثرهم من بريطانيا ثم إيطاليا وألمانيا وفرنسا واليابان" وختم معاليه لقائه "بأن نسبة دخل السياحة من الناتج القومي الإجمالي لا يتعدى 2.8% لكنها سوف تتغير في القريب العاجل".

ولو بدأنا بآخر نقطة تفضل بها معاليه والمتعلقة بنوعية السياح نجد أنّ عدد الزوار الأوروبيين لخريف صلالة لهذا العام – على سبيل المثال حيث الوجهة الأبرز بالسلطنة - لم يتجاوز 761 زائرا حسب إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حتى نهاية يوليو أي بنسبة 0.69%  من إجمالي الزوار البالغ عددهم (109236)!، وحول نروجة السلطنة نتساءل لماذا لا يلتفت السائح العُماني إلى المقومات التي ذكرها معالي الوزير بل يهرع إلى دبي والشارقة وبعض دول جنوب شرق آسيا وأوروبا؟!، ثم ما هي العوائد الاستثمارية التي تجنيها البلاد جراء "الإستراتيجية الوطنية للسياحة" حتى اللحظة؟، وأين نتائج التقييم السياحي الذي تعهد به معاليه؟ وبحسبة بسيطة جداً لو صرف عدد زوار الخريف – على سبيل المثال – متوسط 20 ريالاً في اليوم الواحد من الإيواء والطعام والاستجمام – وهو مبلغ هزيل جدًا-  فنحن أمام استقطاب 2184720 ريالاً فكيف لو طُرحت بعض المواقع للاستثمار العالمي وتكون بمواصفات نوعية رفيعة فكم سيتدفق من المال في خزينة الدولة واستثماره في تطوير المحافظة بمواصفات عالمية؟، ثم ماهي المؤشرات السياحية "النوعية" في استثمار النماذج الجغرافية وتنوع التضاريس حتى اللحظة؟ وهل استثمرت الوزارة والجهات المعنية بالسياحة نعمة الأمن والأمان لصناعة باكورة السياحة العُمانية العالمية؟، أخيرًا ونحن نعيش في كنف موسم الخريف الذي وهبه الله لأهل عُمان نِعمة وكرماً نتساءل هل الإنجاز السياحي لاستغلال هكذا موسم يستقطب ملايين الزوار سنوياً يتناسب والمعايير السياحة العالمية من حيث مناطق الإيواء، والنظافة، والمرافق السياحية كدورات المياه، والمتنزهات، والملاهي، والفعاليات الثقافية والاجتماعية والأدبية وغيرها؟.

بعد الإجابة عن هكذا تساؤلات بسيطة جدًا وإجراء بعض المُقارنات بين نرويج أوروبا ونرويج الخليج يمكننا أن نضع إصبعنا على مكمن الخلل ونحدد موقعنا هل نحن نصنع السياحة أم نستعرض مفاهيمها فقط؟.

دمتم بود ومحبة

 

sultankamis@gmail.com