مدرين المكتوميَّة
"لا إله إلا الله".. قصر الألوهية على الله في هذه الجملة هو أساس عقيدة الإسلام، لكن هل غاب المعنى والمقصد من هذه العبارة واكتفينا بترديدها فقط على الألسنة؟!
إنْ كنا نؤمن حقا بأنه "لا إله إلا الله" ما كنا رأينا دواعش تضع نفسها موضع الإله وتحكم بالكفر والإيمان، لو كنا حقا نؤمن بها ما استسهلنا البحث في النفوس والحكم على الآخرين والانشغال بهم عن أنفسنا. للأسف لم يعد هناك كثيرون يؤمنون بأن الله خلقهم وسيحاسبهم فرادى "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا".
كثير من المواقف التي نتعرَّض لها في كل يوم من حياتنا، ولربما بين ساعة وأخرى، نشاهد فيها من تطاوعهم أنفسهم على اصطناع الربوبية فيقضون أوقاتهم في تصنيف الناس والكلام عن أخلاقهم ويحكمون على إيمانهم.
نحن في عُمان مازلنا والحمد لله بعيدين عن التطرف والتشدد، ولكن أحيانا ما نرى شواهد على بعض القولبة والتصنيف الذي لا ينبني على شيء سوى كلام الناس وأحكام متناقلة بينهم عن شخص أو مجموعة، والآن ومع التسارع في انتشار وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي، اتسع الحكم ليشمل ليس فقط من نعرفهم أو نراهم بشكل شخصي، بل امتد ليشمل الحكم على الشخص مما ينشر على تلك الوسائل.
بالتأكيد هناك من يُبرِّر بأن الحكم على الناس يأتي من أقوالهم وما يبدو من ظاهرهم، لكن بالأساس لماذا نترك لأنفسنا "الحكم" على الناس؟ نحن لا قضاة ولا آلهة، فلماذا نعطي أنفسنا هذا الحق؟ ولماذا نسمح لأنفسنا بإفشال زيجات عبر تشويه صورة شاب أو فتاة يريد أحدهما الآخر؟ لماذا نسمح لأنفسنا بحرمان شخص من فرصة وظيفة أو ترقي -رغم استحقاقه عبر عمله- لأن آخر يعجبنا أكثر لمجرد أنه يجيد إظهار نفسه بما يتواءم مع أحكامنا ويلبي نظرتنا ومعتقداتنا؟
الحياة قصيرة جدًّا، علينا أنْ لا نسمح خلالها لأنفسنا بأن نخترق قوانين الغير، ولا نفرض على الآخرين قيودًا لا نرضاها لأنفسنا، ولا نطلق أحكامًا ليست من اختصاصاتنا، لكل شخص حياته التي لا ندركها ولا نعيها، وأسبابه التي لا يمكن أن نتدخل بها، فنحن في نهاية المطاف نعيش الحياة بتقلباتها، وعلينا أن ندرك كذلك الحال مع البشر فالله وضع فينا كل شيء مختلف وكما يقول المثل الشعبي المتعارف عليه: "أصابع اليد ليست متشابهة" .
فكما يُقال: دع الخلق للخالق؛ فلسنا مُخوَّلين بتحديد طريق أحدهم ومساراته، أو حتى اهتماماته، وعلينا أنْ لا نتدخل في شؤون الآخرين، ولا نحكم على بعضنا البعض بالنهايات؛ فكل شخص سيُحاسب بأعماله وما صنعت يداه، وما أخفى وأظهر من نوايا، فلا يجب أن نعطي أنفسنا تصريحَ الألوهية أو القضاء لنحكم على الآخرين بالحكم الذي نريد ونرى، فليس لنا حق في ذلك فلو عاش كل شخص حياته بعيدًا عن التفكير بالآخر لعشنا سلاما داخليا يحقق لنا الأمن الذي تلاشى بسبب الخوف من رؤية الآخرين لنا، والأحكام التي سيطلقونها علينا.
madreen@alroya.info