يوليو والعلم العامر

 

 

يوسف البلوشي

عندما استبشر الشعب العماني بالإطلالة الأولى لجلالة السلطان نازلا من الطائرة، تنادت معها عمان من الشمال للجنوب.. انبلجت يومها شمس العاصمة مسقط مشعة؛ حيث كانت دروازةُ مطرحْ التي تغلق مع مغيب الشمس قد فتحت أبوابها واعدة ألا تغلقُ ثانية، مستبشرة بوعد السلطان أن تكون عمان في موعد مع الصداقة مع العالم؛ لتخرج عمان إلى نور العالم الآخر نحو ثورة التقدم الصناعي والمعرفي.
كانت حينها طرقاتُ مسقط أيضا قد بسطت ذراعها وفسحت أزقتها وحاراتها بدءا من مطرح وميابين، ورلجات وتكية وسداب وحرامل والبستان في مسقط العاصمة التليدة، بعبق مناطقها المتوشحة بالفرح لقدوم السلطان.. خرج حينها الكبار والصغار والشيبان رافعين علم عمان مهللين بمقدم السلطان الشاب، وفي محياه ابتسامات التفاؤل والطموح والإصرار في اجتياز المحال، وتجاوز الصعاب.

تسلب ذاكرتي خُطوة نزول السلطان من طائرته في السبعينيات، يومها كان العمانيون ينتظرون الأمل، ويستقبلونه بشلالات الفرح المبهجة، رغم عدم معايشتهم له، وعدم معرفة نهجه الذي سيكون عليه؛ ولكنها شمس الأمل التي حملها السلطان، وترقبتها جموع الشعب مستبشرة، مهللة بالبشرى القادمة للمستقبل، والتمنيات العالية المحفوفة بأن تعمّ لذة السعادة على الجميع. وعندما أُعلن عن 23 يوليو لتولي السلطان قابوس -حفظه الله- دفة الحكم، توقدت مشاعل الفرح والسرو تضيء. لم يعايش الكثيرون تلك اللحظات، بحكم من كان منهم خارج البلاد يومها، ومن هذا، جيل اليوم -الذي أعتبر منه- وشاهدنا ذلك من خلال ما تجلبه الصور والمشاهد التلفازية، أصبحنا من وقت رؤيتها نحلل ونطابق الماضي بالحاضر، وما شكلته فوارق التغيير في بناء عمان. الحاضر الآن يكرر نفسه في صور مختلفة، لا تضاهيها صور الماضي في قيمتها أيضا، عندما ترسخ خطوات السلطان عائدا من علاجه، وشغف الجميع في ترقب رؤيته والاطمئنان عليه لهو دليل وثيق على رسوخ وديمومة حب فطري اكتسى قلب شعبه. وعندما يخاطب شعبه عبر التلفاز لترفع عجوز يدها ودموعها تُخالط دعاءها، أن يعيدك سالما لتطيب عمان بمحياك، وتلامس خطواتك أديم الغالية عشقا، ويخرج الأطفال- رغم نعومة أظفارهم- حاملين أعلام عمان، وصور جلالته عالية مرفرفة تعانق سماء عمان، ماهي إلا مشاهد تمتزج بجداول الود الذي تشكل ويمتدّ منذ السبعينيات إلى يومنا هذا. شريط الحياة منذ السبعينيات يدمغ ويثبت بكل البراهين أنّ الأساس المتين الذي عمد السلطان إلى وضعه من اللمسة الأولى والخطوة الأولى محكم، ويعطي ثمار حصاده عاما بعد عام في كل مرور له. ارتباط الازدهار في الوطن حاز على اهتمام جلالته منذ البداية ومضت جهوده ونظرته منذ البداية أن يحوز هذا الوطن على مكانته وسط العالم بما يحقق مكاسب الاحترام والتقدير والتطلعات المنشودة، وبهذا أصبح العماني أينما حلّ يجد وضعه المرموق، ويسهُل عليه سفره وارتحاله.
لم تكن سنوات البناء بتلك السهولة على جلالته، فقد احتاج التعمير، والتشييد، وبناء كيان الدولة الإداري والسياسي جهدا مضاعفا، وبذلا مستحيلا استطاع جلالته من خلاله أن يُكسب هذا الوطن الصداقات والحبّ والاحترام الدوليّ، وأصبحت أي كلمة لممثلي الوطن في المحافل السياسية والإقليمية محل استماع ومشورة، بل وأصبحت الكلمة العمانية ترأب صدع الشقاق والفتن، وتبعث السلام والوداد بين الشعوب؛ لذلك لم يكن 23 يوليو يوما عاديا فقط، بقدر ما أنّه يوم فارق في تاريخ عمان، حقق لها مكاسبها ورسم وضعها وكيانها المنشود.
المشهد بين الماضي والحاضر يروي قصة حب ممدودة بين وجد قصر العلم العامر وعشق بيت البركة؛ تترجمها الدعوات لباني عمان..

بعد الولاء والفداء: ألفُ شكر لكم مولاي.. حفظكُمُ اللهُ، وسدد على طريق الخير خُطاكم.. إنه سميع مجيب الدعوات.