الوطنيَّة.. المفهوم الملتبس

سالم العريمي

"الوطنية".. مفهوم يتضمَّن أخلاقيات ومبادئ، وهي أحد أوجه الإيثار لدفعها المواطنين إلى التضحية براحتهم، وربما بحياتهم من أجل بلادهم. وقد جاء الإسلام ليدفع بالوطنية نحو تأصيل حب الوطن والانتماء إليه؛ فحين خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من مكة، قال: "والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أنِّي أُخرجت منك ما خرجت".

فقد رَفَض ألسدير ماكنتاير مقارنتها بالأخلاقيات، واعتبرها حجرَ الأساس الذي تقوم علية الأخلاقيات، كما وصفها جورج هيجل بالمشاعر السياسية، واعتبر تضحية المرء بفرديته الشخصية أعظم اختبارات الوطنية. والوطنية كلمة يتوسع معناها في مضمونها وممارساتها وهي ليست محصورة على فئة كما يعتقد البعض ويضيق معناها ويحصره، فيمن يوالي نهج معين أو شخوص على الرغم من أن جزءا منها هو الاعتزاز برموز لهم بصمات في مجتمعهم؛ سواء كانت تاريخية أو نهضوية على أن تكون بصماتهم ماثله للأعيان وتخلدها الأجيال المتعاقبة.

كما أنَّ الأرض التي وُلِد فيها الفرد والتصق بها وترعرع في تربتها تدفعه فطرته اللاشعورية للاعتزاز بها، وحين تلعب المحفزات التي يشعر بها الفرد كتوفير الأمن والصحة والعيش الرغد وتساوي الحقوق بينه وأفراد مجتمعه، يدفعه ذلك نحو الاعتزاز بوطنيته وانتمائه؛ وبالتالي فإنَّ مفهوم الوطنية عانى من التزييف والاستغلال؛ فأصبح المصطلح عُرضة للمتاجرة به لغايات وأهداف شخصية من خلال قيام فئة بحصر الوطنية وتحريف معناها بممارسات ليس لها أي صلة بها، وذلك بتلميع صورة مسؤول والتملق في امتداح سياسه أو الدفاع عن أخطاء أو التستر عن تجاوزات؛ وذلك يعد قصورا في مستوى الوعي.

فـ"الوطنية" يتجلى معناها في ثوابت لا تتغيَّر ولا تتبدَّل مع مرور الزمن عليها؛ فحضارة الوطن وهويته الثقافية وتراثه ورموزه الذين صنعوا تاريخه كل تلك العناصر ثوابت لا تتغير، إلا أنَّ هذا المفهوم التبس على البعض فتم تحجيمه وحشره في زاوية ضيقة وإلصاقه بممارسات وتصرفات لا تمت له بصله.

فقد اعتقد البعض أنَّ انتقادَ نهج سياسي لأي مؤسسة أو التحفظ على أجراء معين هو خروج عن مسار الوطنية رغم أن تلك العناصر المتمثّلة في السياسات متغيرة وفق ظروف الزمن ومعطياته فهي غير ثابته نظرا لتغير المعطيات، بل ذهب البعض في التشكيك والطعن في وطنية وانتماء من يقومون بتوجيه انتقاد بناء لمستوى أداء مؤسسة أو سياستها الخدمية، وهذا ما يمكن أن يدخل في دائرة المتاجرة بالمفهوم.

ومع عصر المعرفة الذي واكبة مستوى متطور في الثقافة العامة لأفراد المجتمع، فإنَّ من الضرورة أن نضع هذه المفاهيم في إطارها السليم لتحقق غاياتها الشمولية المتمثلة في الانتماء الكلي وليس الجزئي والاعتزاز بالثوابت وليس بالمتغيرات والفخر بالرموز؛ فمن الأهمية أن نعيد للوطنية مفهومها الحقيقي فهي الرهان لحفظ الاوطان.

[email protected]