وتتواصل مسيرة البناء..!

 

حاتم الطائي

يقفُ الإنسانُ العُمانيُّ اليوم مُفاخِرًا بما تحقَّق على هذه الأرض الطيبة، ومُدركاً للعَهْدَ الذي قَطَعه جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- على نفسِه يومَ اعتلى سُدَّة الحكم في الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م؛ حينما ردَّد في خطابِه التاريخي على مَسَامع أبنائه قائلا: "أيُّها الشعب، سأعمل بأسرع ما يُمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل... كان بالأمس ظلامٌ، ولكن بعَوْن الله غداً سيُشرق الفجر على عُمان وأهلها". لتشرُع عُمان اليوم أبوابَ الأمل مُستشرفةً عامًا جديدًا من العطاء والنماء، والعزة والإباء؛ متبصِّرة طريقَها نحو ما تقتضيه مصلحة الوطن والمواطن، وبما يُحقِّق الاستقرار والطمأنينة، ويحافظ على المكتسبات والمنجزات الوطنية المتحقَّقة.

فَقَد أرسى مَوْلانا المعظم منذ مَقْدِم جلالته الميمون -بحكمةٍ، ونفاذِ بصيرة، ورؤية نيِّرة استوعبتْ أبناء الوطن كافةً- أسسَ ودعائمَ الوحدة الوطنية؛ باعتبارها ركيزة راسخة تنطلقُ منها جهود التنمية في شتى المجالات؛ لذا كان الحرص السامي مُتجليًّا في أوضح صوره بتدعيم أركان دولة المؤسسات وإعلاء صروح العدالة وترسيخ قيم العدل وضمانة الحقوق في ظلِّ سيادة القانون.

كما تبدَّت على مَدَى سنيِّ عهده الزاهر، الثقة العميقة في قدرات المواطن العُماني للاضطلاع بدوره في بناء حاضره، وصياغة مستقبله، حيث كانت العناية السامية دائمة بتوفير فرص المشاركة الإيجابية للإنسان العُماني في مُختلف الميادين؛ حتى يتمكَّن من الإسهام بكل طاقاته وقدراته في بناء جسر التنمية؛ لتعبُر من فوقه سفينة الوطن إلى حيث المنافسة عالميًّا؛ كأنموذج مُتفرِّد يجمع الأصالة والحداثة بلا مقارنة.

وبالتوازي مع مَكَاسب التنمية، فإنَّ العدالة والتوازن كانتا سِمتين لازمتا مسيرة البناء؛ حيث استفاد المواطن من خدمات التعليم والصحة والطرق والكهرباء والماء والاتصالات..وغيرها من الخدمات التي وصلت إلى كافة ربوع الوطن؛ ومردُّ ذلك الإيمان الحكومي العميق بضرورة وضع التنمية الاجتماعية على رأس الأولويات؛ مُتأسية برؤى نيِّرة لقائد مُلهم.

ولأنَّ المواطن هو هدف التنمية ومحورها الأول؛ فقد حرص مولانا المعظم على أن يبقى الإنسان العُماني شريكاً حقيقيًّا للحكومة في عملية التنمية والرُّقي. ولأجل أن يؤدي المواطن دوره من مُنطلق ما تقتضيه هذه الشراكة، أقيمت المؤسسات التي تتيح له أن ينهض بدوره في خدمة وطنه وتطور مجتمعه، حيث كان إنشاء مجلس عُمان -بغرفتيه الدولة والشورى- لترسيخ بنيان الشورى وإعلاء أركانها على قواعد ثابتة تضمن التطور الطبيعي الذي يُلبِّي متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني.

وسجَّلت عُمان كذلك تقدُّما مشهوداً في مجال حقوق الإنسان؛ حيث تمكنت من إرساء الهيكل القانوني اللازم على المستوى الوطني والتشريعات المناسبة التي تحفظ على أبناء هذا الوطن حقوقهم. وكتيمة أساسية، تبوَّأ القضاء العادل حيزاً مهمًّا في اهتمام جلالة السلطان بما يليق والمكانة التي يُمثِّلها كأحد أهم استحقاقات الدولة العصرية.

وظلَّ التركيزُ الحكومي طوال نهضتنا المباركة مُنصبًّا على عددٍ من الأهداف لا حِيْدة عنها فيما يتعلق بدَوْرة اقتصادنا الوطني؛ يأتي في مُقدمتها الحفاظ على -بل وضمان- الاستقرار الكلي لاقتصادنا؛ والذي بدا واضحا رغم أمواج الأزمة العاتية التي تتلاطم من حولنا على وقع تدني أسعار النفط؛ وبما يُعالج القضايا الأساسية؛ كالتضخم ومعدل الباحثين عن عمل، ويسعى لزيادة رفاهية المجتمع عبر الاستقرار في المستوى العام للأسعار وتحقيق العدالة في توزيع الدخل، في ظل ما تتطلبه المرحلة الحالية من تضافر جهود الجميع، والعمل بروح الفريق الواحد، لتلافي تداعيات الأزمة وما تمور به.

أمَّا "نَبْتة السَّلام العُماني"، فظلَّت كما هي دومًا: نضرة عفيَّة، تسقيها مياه الحكمة، عبر دبلوماسية مُتفرِّدة؛ لها أصولها ومنابعها، تقيِّم العلاقات بحكمةٍ وتُؤدة، بعيدًا عن الانفعال إزاء ما يستجد من أحداث؛ لتؤسس عُمان علاقاتها مع الأشقاء والأصدقاء، كدولة سلام تسعى دائما لحل الخلافات بالحوار الإيجابي والطرق السلمية؛ فكسبت صداقة وثقة وتقدير الآخرين كقيادة ودولة؛ مما أهَّلها لتكون وسيط خير بين الفرقاء.

... إنَّ سجلا حافلا بالإنجاز ليرسم ملامحَ الاختلاف بين عُمانيْن مُختلفَتين؛ الأولى ظلام واحتراب، والثانية فخرٌ وعطاء؛ في معادلة ترجح فيها كِفة "الإيمان بالمسؤولية، والمثابرة لبناء الوطن"؛ كما تضع على عاتق الأجيال الحالية والمتعاقبة أمانة ثقيلة للحفاظ على ما تحقَّق من مُكتسبات، ولاستكمال مسيرة النهوض؛ تأسيساً على النطق السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة بأنَّ "هذه المنجزات لم تكن لتظهر على أرض الواقع لولا الجهد المبذول، والعطاء المتواصل، والإرادة الطامحة، التي تستشرف المستقبل، وتعمل من أجل غد أفضل. فطوبى ‏لكل يد عاملة تشارك في بناء نهضة عُمان، ودعوة صادقة لبناة الحاضر ورواد المستقبل، للانطلاق نحو آفاق أبعد، وساحات أرحب، ومقاصد أسمى وأعلى". إنَّها دعوة للتشمير عن سواعد الجدِّ من أجل مواصلة البناء، فهلمُّوا يا أبناء الوطن..!