وعود العابرين

 

 

مدرين المكتومية

كالعادة في العاشرة من صباح السبت أستيقظ بشيء من الحماس والجد، استقل سيارتي التي واتَّجه إلى المقهى الذي أحب أن أبدأ يومي فيه، ولأنني من رواد المكان نفسه أصبحت كما يقال "زبون" وبالتالي فالعاملين بالمقهى يعرفون تماماً طلبي المعتاد دون أن أطلب.

 أختار مقعدي على الزاوية البعيدة قليلاً ليأتيني النادل بكوب الكابتشينو قائلاً "Good morning, it's nice to meet again" وبدوري ابتسم ابتسامة عريضة تنم عن السعادة الفعلية وأنا أرى الاهتمام منهم، إنّه لشعور جميل أن يقوم الشخص بعمله على أكمل وجه ويقدم خدمات ترضي العابرين مثلي على هذه المقاعد...

ولأنني أبدأ يومي بشيء أحبه وشيء قريب مني، أشعر بأنّ كل ما سيحدث لي في هذا اليوم سيكون جميلاً ورائعاً ولربما أتعثر بفارس الأحلام الذي يأخذني للبعيد على حصان أبيض لا بأس إن لم يكن حصاناً أبيض فأنا متواضعة جداً لدرجة أنني أكتفي بسيارة فراري تأخذني في جولة بشوارع مسقط العامرة، ولكن على أن يكون صاحبها الرجل الذي أحلم به طويلا والذي ربما يكون موجودًا ولكن.. تنقصه الفراري...

في زاوية ذلك المقهى الجميل يمكنني أن أستمع لأحاديث العابرين ومُحتسي القهوة مثلي، والغريب أنني دائماً ما التقي هناك بشاب وفتاة، مختلفين في كل مرةٍ، لكن المشترك أنّ الشاب والفتاة غالباً ما يجلسان في المكان نفسه يتهامسان بكلمات الحب والوعود البراقة والجميلة دون الاكتراث بما سيحل عليهم في قادم الوقت، فغالباً ما يكونان في سن قد يمكنهما من إدراك ما سيعترضهما من مطبات في الحياة، وقد يستمران في مشوار الحياة معاً وقد تكون قصتهما مجرد درس مُستفاد يتعلمان منه لحياة قادمة وجميلة مع أبطال آخرين، فمن الصعب أن نتكهن وأن نمارس على الآخرين دور قارئة الفنجان ولكن ما يجمع عليه الكثيرون ومن خلال ما يعيشونه  من تجارب أنَّ الوعود لا يمكن أن تتحقق ما لم تكن وفق دراسة وعناية مطلقة، ويقيناً أيضاً أنّه لا مفر من القدر في كثير من الأحيان حتى لو كانت خطط المستقبل مدروسة، وربما كان الصالح الذي لم نره وقتها هو المُقدر والمكتوب، وربما نجد أنفسنا شاكرين للعناية الإلهية على إنقاذنا مما سعينا إليه وتمنيناه بل وبكينا على فقدانه.

ولست عليمة حتى أفرض على الآخرين طريقة حياة، ولكن أرى أنّ واجبي الإنساني أن أنصح الجميع بالانتباه إلى ما قد يقف حاجزاً أمام استكمال مشاوير علاقاتهم الجميلة، ولأنني أحب الحياة أرى في كل اثنين مشروعاً لحياة قادمة أجهل تفاصيلها الفعلية ولكنه مشروع قد يكتمل وقد يتعثر وقد يتوقف وفي كل الحالات تبقى الأفكار لها روعتها وإيجابيتها.

تلك الوعود التي أسمعها بين حينٍ وآخر أعلم كل العلم أنّها تحتاج إلى شراكة فعلية بين اثنين خاصة وأنّه في الوقت الحالي بات الأمر صعباً على أن يتحمل المسؤولية طرف واحد، فحين نتحدث عن الشراكة علينا أن نتحدث عن رجل وامرأة يودان بناء عش أسري رائع ويحتاجان للتفكير خلف التخوم البعيدة ليتخطيان كل ما يعترض طريقهما، خاصة وأننا نرى أن الزواج أصبح أمراً صعباً بالنسبة للكثيرين وقد تكون عوائقه مادية وأخرى معنوية، وقد تكون أسبابه ليست في الحسبان كرفض الأسرة والعادات والتقاليد التي يجب علينا تجاوز بعضها في هذه المرحلة لتكون الحياة أجمل وأروع ويعيش خلالها الزوجان في حجيم الحب بدلاً من نعيم الفراق، فكما يقال دائماً " الحياة بالحب جحيم يُطاق، وبدون الحب نعيم لا يطاق" ولأنني أحب الحياة أحب أن أرى تلك الوعود على أرض الواقع وأرجو لكل اثنين يحتسيان قهوتهما على تلك المقاعد في المقهى نفسه أن يصلا للحياة التي يبحثان عنها وتخطي كل ما يعترض مشروع تلك العلاقة الرائعة.

 

madreen@alroya.info