ضربني وبكى.. سبقني واشتكى!

 

 

زاهر المحروقي

"ضربني وبكى.. سبقني واشتكى"، مثل شعبي يُضرب لكلِّ من يظلم شخصاً ثم يسرع لتقديم الشكوى على المظلوم حتى يظهر الظالم بمظهر البريء، وقد أثبتت الأحداث أن كثيراً من المظلومين نالوا الجزاء عقاباً على جرمٍ لم يرتكبوه، وإنما لأن هناك من ضرب ثم هرب ليشتكي.

وفي حالتنا العُمانية، فإنَّ هذا المثل ينطبق علينا مع عاملات المنازل، بعد أن ندَّدتْ مُنظَّمة "هيومن رايتس ووتش" يوم الأربعاء 13 يوليو 2016، بما أسمته "الظروف الصعبة" لعاملات المنازل في السلطنة، ودعت المنظمة السلطات العُمانية إلى "إصلاح نظام الهجرة التقييدي الذي يجعل العمال الوافدين تحت رحمة أرباب العمل". ولم يكن التقرير في الأساس منصفاً؛ ففي حين أشار إلى أن عدد عاملات المنازل في السلطنة يقارب الـ130 ألف عاملة، (وفي الواقع، فإنَّ عددهن حسب التقرير السنوي لوزارة القوى العاملة للعام الماضي، هو 195.614 عاملة)، إلا أنَّ مُعدِّي التقرير الذي تكوَّن من 62 صفحة بعنوان "باعوني: انتهاك واستغلال عاملات المنازل في عُمان"، لم يعتمد إلا على رأي 59 عاملة فقط، تحدثن عن "انتهاكات ترقى إلى العمل القسري أو الاتجار بالبشر".

وهذه في الواقع فِرْية، يعلم كل من يعيش في عُمان أنها كذب؛ فلا توجد دولة كسلطنة عُمان تعمل قوانينها لصالح الأجانب، بل وربما ضد المواطنين. وهناك شهادات كثيرة من الأجانب أنفسهم حول هذه النقطة، مع الإقرار بوجود حالات فردية مخالفة للقوانين لا ترقى إلى أن تصل إلى مستوى الظاهرة، وقد سبق لكثيرين أن ناقشوا هذا الموضوع، إلا أنَّ المناقشات والأطروحات ذهبت سُدى؛ لأنَّ السفارات التي يأتي منها العمال، هي التي تسن القوانين وتفرضها علينا، وكأن كل سفارة هي حكومة داخل حكومة، علينا الانصياع لما تفرضه؛ فالعاملاتُ في عُمان تنال مزايا كثيرة؛ مثل الرواتب العالية التي تفرضها تلك السفارات، مع اشتراط وجود غرفة خاصة للعاملة، والإجازات الأسبوعية والشهرية، وتوفير كافة مستلزماتها الخاصة بل "الخاصة جدا"، إضافة إلى تحديد ساعات العمل بحيث لا تتجاوز 8 ساعات، هذا عدا التأمين الصحي، وترك مبلغ معين في السفارة كضمان يصل إلى 1200 ريال عُماني كما تشترط إحدى السفارات؛ ومع ذلك فإنَّ الكل يعلم تماماً أنَّ هناك "مافيا" مُتخصصة في تهريب العاملات من أربابها إلى العمل في تجارة الجسد لأنها الأربح، إلا أنَّ الكلَّ يتغاضى عن اتخاذ اللازم، لدرجة أن هناك من يقف في المطار وأمام الملأ ينتظر أي رحلة قادمة من الدول الآسيوية فيعطي رقمه للعاملات علناً، هذا غير العاملات اللاتي يأتين ولديهن عناوين المهرِّبين المتاجرين بالبشر، ومع ذلك فإن منظمة "هيومن رايتس ووتش" اعتمدت على رأي 59 عاملة فقط في تقرير أشبه ما يكون إلى "ريبورتاج صحفي"، ولم تكلف نفسها الاستماع للطرف الثاني الأكثر تضرراً، صاحب المنزل أو صاحب العمل، وهو المتضرر الأكبر بما يدفع من تكاليف، وبما تفرضه عليه القوانين في حالة هروب العاملة؛ إذ عليه أن ينشر إعلاناً في جريدة، ثم عليه أن يضع قيمة التذكرة في المطار لتسفير الهاربة في حال العثور عليها، ولا يُسمح له بجلب عاملة أخرى طالما أن العاملة الأولى باسمه حتى وإن هربت، ولا مكاتب العاملات تُرجع له المبالغ التي دفعها حتى وإن هربت العاملة في اليوم الثاني لوصولها إلى عُمان، ثم لا يوجد أي عقاب للهاربة، لماذا؟ لأنَّ كل القوانين ضد المواطن؛ فاهتمامُنا مُنصب فقط حول السمعة الدولية، ومع ذلك لن ترضى عنا منظمات حقوق الإنسان حتى نتبع قوانينها.

لقد أعاد تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى السطح مشكلة العمالة الوافدة ومخاطرها على المجتمع؛ وهي المشكلة التي تكلم عنها الكثيرون عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة وعبر شبكات الحوار في النت ولكن دون فائدة تذكر، وكأن الحكومة أصمَّت آذانها عن المشكلة، وبالتالي تم طرح العديد من الأسئلة كانت خافتة، ولكنها الآن تطرح بصوت عال ومرفوع، وهي: هل الدولة فعلاً عاجزة عن وضع حلول لمشكلات العمالة الوافدة؛ ومنها: مشكلة هروب خادمات المنازل المتفاقمة؟! وهذا السؤال يجرُّ إلى سؤال آخر مؤلم؛ وهو: هل نستطيع أن نعيش في أمان وأمن وسلام والدولةُ لا تستطيع أن تحرك ساكناً في مشكلة أصبحت تؤرق الكل، ومعنى السؤال: كيف إذا تعرضنا لشيء كبير -لا قدر الله- ومشكلة كهذه لم تجد حلاً بل تتفاقم، وعدد الأجانب قد تجاوز المليونين ويتساوى مع عدد العُمانيين الآن؟

عند سنِّ القوانين يجب أن تراعي هذه القوانين المجتمع العُماني وأخلاقياته وبيئته، ويجب أن تكون هذه القوانين نابعة من الداخل ولا تفرضها علينا المنظمات ولا الحكومات التي يأتي منها هؤلاء العمال، وقد نكون الآن أحوج ما نكون إلى إعادة صياغة كل القوانين المتعلقة بهذه العمالة، يشارك في ذلك أعضاء مجلس عُمان، وممثلو الجهات المختصة ومنها الأمنية، حماية للبلد وحفظاً لحقوق المواطنين، ويجب التركيز على سن عقوبات رادعة للعمالة الهاربة، وإخطار السفارات الأجنبية بها حتى يكون موقفنا قوياً، ويتم القضاء على ظاهرة الهروب من العمل لما يشكله ذلك من خطر على المجتمع، من انتشار الجرائم بكل أنواعها وما يشكله من آثار سلبية سياسية واجتماعية واقتصادية، فيكفي أن بعض المناطق في محافظة مسقط لم يعد باستطاعة المواطن دخولها بمفرده، والحمرية والولجة في روي خير دليل. ولا ينبغي أن نبرئ المواطن العُماني تماماً؛ فهناك بالتأكيد بعض التجاوزات ولكنها قليلة، أما أغلبية المواطنين وأرباب العمل فهم ضحايا القوانين التي تنصف الظالم وتظلم صاحب الحق.

ومن الخطأ أن نسمع عبارة تتكرر على ألسنة المسؤولين، وهي أن مشكلة الهروب هي مشكلة عالمية، فرد مثل هذا يدل على أن هناك عجزاً في حل المشكلة؛ إذ إنَّ مهمة المسؤولين وضع الحلول، والحلولُ متوفرة، إذا كانت النية موجودة.