انطلق نحو الريادة (6)

 

د. عبدالله المسكري *
إن أسوأ ما يُبتلى به أحدنا أن يُصاب بعقدة النقص والفشل، وأن يكون غير صالح لشيء في هذه الحياة، وكثيرٌ من الشباب عندما تحدِّثهم عن أهمية العمل بالتجارة يبادرك بأنه فاشل ولا يصلح للعمل بالتجارة، ويقنع نفسه، بل ويحاول إقناعك بقوله إنَّ التجارة لها ناسها وهو مُقتنع بأنه لا يُمكن إصلاح حاله وخوض التجربة كما خاضها غيره ونجح بل وأبدع وأضاف قيمة جديدة إلى نفسه ومجتمعه، وهو بهذا قد صنع سياجا من الإحباط والفشل حول نفسه حتى جعل إمكانياته العقلية والبدنية تصدق هذا وتبعث إشارات إلى بقية الجسم بأنَّ صاحبنا هذا غير مُؤهَّل للانخراط في العمل التجاري؛ فيعيش بقية حياته جاريا خلف السراب، مضيفا المزيد من التعب لوالده الذي يكدح هنا وهناك ليوفر قوت من يُعيلهم.. ومن هنا يقول الشاعر:
ولم أرَ في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
وهذا يُذكِّرني بقصة جميلة: كان نسران مُتشابهين تماما، منحهما الله نفس القدرات من جناحين وعيون حادة وريش خفيف انسيابي ومخالب قوية، وبينما هما يحلقان في السماء بدأ الخمول يدب في أحدهما فاكتفى بفرد جناحيه معتمدا على قوة الهواء، بينما استمرَّ الثاني يخفق جناحيه بقوة متحديا قوة الهواء، وكلما خفق بهما ارتفع فوق السحاب، ومع الوقت كان يسمو ويسمو، والنسر الآخر ظل يخاطب نفسه مستدعيا فشله القديم وكان يقول منذ صغري وأنا ضعيف والكل ينظر إليَّ نظرة الشفقة، وأنني لا أصلح لشيء، ولا يمكنني الاعتماد على نفسي في تدبير معيشتي، ويقول عن صاحبه إنَّ الحياة ميسرة له والنجاح مكتوب له، كلهم يحبونه ويدعمونه ويقدمون له الخدمات، أو بمعنى آخر إن الأبواب مفتوحة له، وظل على حاله حتى سقط ليعيش بقية حياته بين الدجاج.. يقول الحكيم كونفوشيوس: "إنَّ ما يثير قلقي هو أن لا أتحسن في مجالات تفوقي، وأنْ لا أستفيد من كل ما درسته، وأن أعرف ما هو الشيء الملائم والصحيح ولا أستطيع أن أتغيَّر لأحققه، وأن أكون غير قادر على معالجة مواطن إخفاقي وعجزي".
ويقول الامام الشافعي رحمة الله عليه:
عليَّ ثياب لو يباع جميعها..
بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
وفيهن نفس لو يقاس ببعضها..
نفوس الورى كانت أجل وأكبرا
... إنَّ صناعة النجاح في كل مجالات الحياة فن، ومنها صناعة النجاح التجاري والاقتصادي والانتاجي. فالعمل بالتجارة له مُتطلَّبات يجب تحقيقها، أما تحقيق الرزق فهذا ليس من شأن البشر؛ فالرزق من الغيبيات التي تكفَّل الله وحده بها، ولا يمكن لأحد من البشر -مهما كان علمه- أن يعلم برزق البشرية جمعاء إلا الله سبحانه وتعالى، ولكن نحن مسؤولون عن التخطيط الجيد، ومن ثمَّ العمل والابتكار والبحث في الأرض عن مواطن الرزق، مُتوكلين على الله بإيمان صادق وهِمَّة عالية ونفس مُستبشرة مُتوكِّلة على خالقها، آخذة بكل أسباب النجاح من عدة متكاملة وتخطيط سليم ودراسة لأحوال السوق والمجتمع ونفس قوية صابرة محتسبة قادرة على تحمل الصدمات.
((لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله.. لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا))
والتاجر لا بد أن يكون مِقْدَاما جريئا، يبحث عن الفرص السانحة فيقتنصها، ولا يستسلم للمحبطين والاتكاليين، وهذا كما أنه ينطبق على الأفراد فإنه ينطبق على المؤسسات الكبيرة والشركات وحتى اقتصاديات الدول.

* مُؤسِّس "المنارة العالمية"
almanara.bookshop@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك