بين ماضٍ حميم.. وحاضرٍ محموم!!

مسعود الحمداني

ماذا لو.. عاد بنا الزمن للوراء.. حيث لا كهرباء، ولا هواتف، ولا (واتس اب)، ولا سيّارات فارهة؟!!..

هل تعتقدون أنّ حياتنا ستكون أسوأ مما هي عليه؟!!..أم أنّ ذلك سيجعلنا نعيش بسعادة أكبر..؟!!..

في الماضي لم تكن هناك كهرباء..وكان الناس يعيشون على نور قلوبهم.. و(فنر أبو سحّة).. وكانت الحياة بسيطة وسهلة.. و(الرمسات) لا تنقطع من البيوت، والألفة تسود القرية.. و(الأمور ماشية)..

لم تكن هناك فواتير ترهق الكواهل، ولا خوف من انقطاع الكهرباء، أو زيادة التعرفة، أو فساد الأطعمة، أو عطل المكيفات، أو انتظار عامل آسيوي يترحم عليك ليصلح أجهزتك الكهربائية، فالهواء عليل، والحرُّ ظرفٌ عابر ينتظره (البيادير) بفارغ الصبر ففيه بشارات القيظ، وبداية الخير للنخيل والثمار..

كانت أدوات تبريد وشرب الماء هي: (الكوز) أو (الخرس)، أو (الجحلة)، وكان الماء يحتفظ بطعمه ولذته باردا ثجاجا في كل وقت، (أكاد أشعر بطعمه في فمي حتى اليوم)..

لم تكن هناك هواتف.. ورغم ذلك كان التواصل بين الناس كبيرا، وحميميا، وكانوا يقطعون المسافات الطويلة فوق الحمير أو الجمال ليلتقوا بأحبتهم بقلوبٍ صافية، ووجوهٍ بشوشة..

لم تكن هناك هواتف (ذكية) تلهي البشر عن بعضهم حتى في مجالسهم الخاصة كما هو الحال اليوم، حيث الجميع منهمك في التراسل مع أشخاص قد لا يعرفهم إلا عبر (العالم الفتراضي)، وفي المقابل لا يكاد يزور جاره أو والديه أو إخوته، حيث استعاض عن الأسرة والتواصل الاجتماعي الحميم بأسرة كونية كبيرة لا يعرف وجوههم، ولا يسمع أصواتهم.. ولكنه يهتم لوجودهم أكثر من الناس الواقعيين من حوله.

لم تكن السيارات موجودة إلا ما ندر.. لذلك كانت أعمار الناس أطول.. ونشاطهم الجسدي أكبر، وصحتهم أقوى، وكانت الحمير والجمال هما وسيلتا الانتقال، ورغم أنّ المسافات تطول بين الأحبة، إلا أنّ ما يقصرها هو الألفة، والمحبة، وصدق الوفاء بين القلوب.

لم تكن الأسمدة الكيماوية موجودة، ولم تكن الهرمونات الغذائية مستخدمة لتسمين الدواجن والماشية، كان كل شيء يسير سيرورته الطبيعية نحو الاكتمال والنمو، وكان الناس صبورين، لا يستعجلون النتائج، ولا يستبقون الوقت، لذلك كانت الأمراض الفتاكة أقل، والأوبئة محدودة، والأبدان صحيحة، لا يخالطها الكسل، والخمول، والأمراض المستفحلة تكاد تكون معدومة..

قد نفتح أعيننا ذات يوم فنجد أنّ (الروبوتات) قد ملأت المصانع والشركات والمؤسسات، وأنّه لا ضرورة لوجود الإنسان لإدارة الدولة، حينها لن يكون للبشر دور إلا الفرجة على آلات تقود عالمهم. ربما.. أصبح كل ما حولنا سهلا، ومغريًا، وأصبح العلماء يخترعون ما يجعل حياة البشرية أكثر يسرًا، ولكنّهم تركوا خلفهم أهم عناصر الحياة.. وهو..(طبيعية) الأشياء، وسيرورتها الحياتية.. فالإنسان يدمر نفسه بنفسه، ويتجه نحو الفناء برجليه، دون أن يتوقف به القطار في محطته المفترضة..

كان المجتمع أكثر حميميّة وطهرًا وعفوية في الماضي، أمّا اليوم فانتفت كثير من هذه (المثاليات)، وحلّت (سلوكيات) التكنولوجيا مكانها، لقد دفع الناس الثمن غاليا من أخلاقياتهم، وسلوكهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وأعرافهم، وهذه هي الضريبة الباهضة التي تدفعها الأجيال في كل زمان ومكان ـ دون أن تشعرـ للوصول إلى مصيرها المحتوم.. وحتما ستصل له ذات فناء.

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com