عاملات المنازل ومنظمات حقوق الإنسان.. "الحقيقة الغائبة"!

 

 

زينب الغريبيَّة

صَدَر تقريرٌ عن منظمة "هيومن رايتس ووتش"، يوم الأربعاء الماضي، يوضِّح الحالة المزرية التي تعيشها خادمات المنازل في سلطنة عُمان؛ بناءً على لقاءات مع عاملات من بنجلاديش وإثيوبيا كُنَّ قد عملن في السلطنة، ولكن للأسف فإنَّ التقرير يبدو ناقصاً؛ فقد تناول القضية من جهة واحدة، جهة العاملات، وأهمل جهة أصحاب المنازل الذين عملت لديهم تلك العاملات، فدائما ما تنظر منظمات حقوق الإنسان في حقوق الحلقة الأضعف في القضية البشرية التي تعالجها، إلا أنهم قد أخطأوا التقييم هذه المرة في تحديد الحلقة الأضعف في هذه القضية.

تنتشرُ العاملات من جنسيات مختلفة آسيوية وإفريقية في السلطنة، ويتفاوتن في كفاءاتهن ومهاراتهن في تأدية واجباتهن المنزلية المطلوبة، ولكنهن يجتمعن في العبارة الشعبية "كأنك تُبخّر سمة"، بمعنى مهما قدمت لهن وأكرمتهن ينكرن ذلك، فالبخور لا يثبت في السِّمّة، فلا يعلم القائم على التقرير أنّهن مهما كان قد أحسن لهن ممن يكفلهن، فإنهن ينكرن ذلك، ويضمرن لهم الحقد، لا يعلمون كم عانى المواطنون من هذه العمالة، وكم دفعوا وخسروا، وأنهم لا ضمان لحقوقهم في هذا الموضوع، وكم تلقوا من مشاكل وأحيانا مصائب منهن.

تضطر البيوت العصرية لجلب هذه العمالة، بسبب خروج المرأة للعمل، وتعقد الحياة في متطلبات المنازل وساكنيها، وجاء المنقذ الضار النافع، والذي لو قسنا ضرره لوجدناه أكثر من نفعه، إلا أننا نتغاضى عن ذلك من أجل الحاجة، وأصبحن هن من يستغل حاجة أصحاب المنازل لهن، وليس العكس، وأصبحن مدللات ولسن ناقصات حقوق، ويقدمن الحد الأدنى من جهدهن مهما تلقين من المتابعة والأوامر، وأصبح من المفروغ منه أن تغضب الخادمات ويمتنعن عن العمل، ويطلبن الرحيل في وقت حرج لظروف ربة البيت، دون مراعاة للخسائر المادية، والظروف الصعبة التي ستضع فيها البيت.

لم يُعرف عن العُماني إلا حُسن المعشر، والطيبة، لا سيما مع الغريب والوافد، وهذا ما ينطبق على حالتهن أيضا، فلو زار القائم على التقرير كل منزل تعمل فيه خادمة دون إذن وبنى تقريره على المشاهدة عن قُرب؛ لتوصل للحقيقة دون الحاجة لأخذ التفاهات منهن، شاهدت بنفسي رجلا تشع السماحة من وجهه وقد أحضر العاملة الإثيوبية للمطار من إحدى المناطق، وقد أضربت عن العمل لمدة أسبوعين وطلبت السفر لبلادها، وعند وصولها للمطار رفضت ركوب الطائرة وقامت بتمثيل مشهد درامي قوي جدا في وسط قاعة المغادرين والنوم على الأرض والبكاء بل والصراخ بكلام ليس مفهوما. اقتربتُ من الرجل كبير السن كفيلها وسألته بنفسي عن مشكلتها. وقد كُتِب هم كبير على وجهه بأنه سيضطر الآن اصطحابها مجددا للمنزل فلا يمكن إرغامها على ركوب الطائرة حسب قوانين حقوق الإنسان، وهي مضربة عن العمل، ماذا سيصنع لها؟ وأين حقه هو كإنسان؟!

كم مرة قُمن فيها بالهروب من المنازل ليس هروبا من سوء المعاملة، ولا من كثرة العمل، ولكن ركضا وراء الأرباح السريعة من أمور مشتبهة تعمل عليها عصابات من جنسياتهن، لِمَ لم يذكرن ذلك؟ أهذا تحرش بهن كما ورد في التقرير؟! أذَكَرْنَ كمية الخسارة النفسية والمالية، والظروف العملية لربة المنزل في وقت هروبهن؟! أكَفَلَ قانون حقوق الإنسان حماية للمواطن كفيلها في هذه الحالة؟

عشتُ بنفسي تجرية مع واحدة من العاملات، أقدم لها كل الاحترام والرعاية، وأعطيها حقوقها كاملة، ولكنها لا تكترث ولا تقوم بعملها، وعندما أناقشها بطريقة حضارية ترد عليَّ بأن الحياة هي من صنعت بها ذلك لتكون خادمة، وأننا بأموالنا نستعبدهم، وأن أولادي لديهم ما يريدون مقابل حاجة أولادها، وتُسهب في الموضوع وأنا في تعجب فلم أمارس عليها شيئا من الترفع أو التباهي، فقط أذكرها بعملها باحترام ولطف، لكنها لم ترَ شيئا مما أقدمه لها واستمرت على حالها حتى استغنيت عنها، بعد فترة وجيزة من جلبها، وقد ذهب ما كلفتنا إياه من مبالغ كبيرة أدراج الرياح، لم أجد حينها منظمات حقوق الإنسان لتنصفني، وربما لو حضروا سيسمعون لها ويعتبرونني المذنبة فقط لأنها ستقول ذلك!

وانتشر فيديو في وسائط التواصل الاجتماعي، يعرض لبرنامج قد عقد لقاء مع عاملات من إثيوبيا وربات البيوت اللاتي يعملن لديهن في لبنان، بحضور جمهور من الطرفين، وقد اتضح في الحوار تمرد الخادمات، رغم ما ذكرنه السيدات عن حسن التعامل معهن وأنهن يأكلن معهن على مائدة العائلة، ويشربن القهوة معهن في جلسة بدون حواجز، يأكلن ويعشن نفس معيشة أهل البيت، لم تكن الخادمات لينكرن ما تقوله ربات البيوت، إلا أنهن كن وقحات متجاهلات كل ما يُقال لحاجة تافهة "أنَّ التليفون بلا إنترنت، وأليس من حقنا كإنسان استخدام الإنترنت؟!". لن أعلق على هذا المشهد، وسأترك التعليق لمنظمات حقوق الإنسان في تمادي الخادمات وإنكارهن ما يقدم لهن لأنهن لا يستخدمن الإنترنت!!

كَفَى هراء في هذا الموضوع، وإن كانت المنظمات تريد التقصي في هذا الموضوع، وإبراز الحقائق كما هي، لابد من الأخذ برأي كافة الأطراف، أو أخذ تسجيلات كاميرات الفيديو الموجودات في المنازل لتتأكد من الواقع، إن كانت تشك في مصداقيتنا. كم عانت البيوت العمانية -والخليجية أيضا- من مشاكلهن ومصائبهن، وجهلهن وقذارتهن، لتقوم ربات البيوت بتعليمهن أمور النظافة والعمل من نقطة الصفر، وعندما يبدأن في إتقان العمل، تكون قد انتهت مدة إقامتهن، ليتركن المرأة تبدأ من جديد مع عاملة لا تملك من المهارة شيئا.

انصفونا نحن أيضا، فنحن نعاني من الخادمات في جل المنازل، أم أن حقوق الإنسان لا تطولنا؟!