أوراق عمل ندوة "الدور الحضاري والتاريخي العُماني" في كتاب جديد للخروصي والعدوي

 

بهلا - العمانية

 صدر عن مكتبة الندوة العامة ببهلا بالتعاون مع بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان، كتاب الدور الحضاري والتاريخي العُماني وهو من إعداد وتحرير ناصر بن علي الخروصي وخميس بن راشد العدوي. ويتضمن الكتاب فعاليات الندوة التي حملت عنوان الكتاب ونظمتها مكتبة الندوة العامة ببهلا في أكتوبر 2015م، ضمن أنشطتها الثقافية الدورية، بهدف إبراز الجوانب الحضارية والتاريخية والثقافية للسلطنة، في بناء اللُحمة الوطنية بين مكونات الشعب العماني، ودورها في تمتين أواصر التعاون والصداقة مع الدول الشقيقة والصديقة من خلال سياستها المتزنة الواعية التي صاغها بفكره النير السديد رجل السلام حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-.

وشهدت الندوة استعراض عدة أوراق منها ورقة عن معالم التاريخ العماني، وقدمها الدكتور سعيد بن محمد الهاشمي، وتناول فيها وقفات من الدور الحضاري والتاريخي العماني، والتي كانت وقتها حدثا بارزا تحدث عنه الناس، وسطرته الأقلام، وبقي في الأذهان، تصاغ حوله البطولات والأساطير الفكرية، ذلك أنّ التاريخ لا يفهم أنه مجرد حدث سياسي أو عسكري فقط، ولكن يفهم بأنه تاريخ نشاط البشر، كالتاريخ الثقافي والتاريخ الطبي والأخلاقي.

وقدّم الهاشمي بعض الإضاءات للتاريخ العماني في العصر الحديث، الذي يبدأ من منتصف القرن الخامس عشر، وتناول ثلاثة محاور، أبرز فيها المواقف السياسية في عُمان، وأهم المعالم الحضارية والثقافية، وحياة وشؤون الناس ونشاطهم اليومي، وما يصيبهم من هول الدنيا كالمرض والموت والأمطار وجرف الأودية والصواعق وغيرها من سلوك المواطنين وتعاملهم مع بعضهم البعض.

وتضمن الكتاب ورقة قدمها سيف بن هاشل المسكري حول الدور السياسي العماني، استعرض فيها محطات من الدور التاريخي والحضاري العماني على مر التاريخ، وصولاً إلى الدور السياسي الحديث، الذي يقوده جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه-، منطلقاً من ثوابت أساسية يأتي في مقدمتها التأكيد على الدور الحضاري المهم للسلطنة، وعلى المحافظة على صلابة الوحدة الوطنية وعدم التدخل في شؤون الغير.

 وقال المسكري في بحثه إنّ الدور الحضاري والتاريخي العماني يتمثل في صلات العمانيين بحضارات الشرق القديمة في الصين والهند وبلاد ما بين النهرين، بالإضافة إلى الصلات الحضارية مع حضارات شرق البحر المتوسط ووادي النيل وشمال أفريقيا مبيناً أنّ الاكتشافات الأثرية التي تمت في العديد من المواقع العمانية مثل صحار وسمد الشأن ورأس الجنيز وبات، تؤكد على الدور الحضاري الذي قامت به عُمان على مر العصور، وتؤكد تلك المواقع تدل على أن عُمان كانت من أقدم المراكز الحضارية التي نشأت في الجزيرة العربية، والذي يعود إلى الثروات الموجودة في المنطقة، وإلى الصناعات التي كانت قائمة، كالتعدين والزراعة والموارد الطبيعية والتجارة.

 وقال إنّ عُمان قامت بأدوار هامة في تاريخ المنطقة الحديث والمعاصر، لما تتمتع به من مقومات طبيعية وبشرية، شكلت علامات فارقة في حضارة المنطقة. وتحدث المسكري عن الدولة العُمانية الحديثة وقال إنّها تسعى إلى ترسيخ ذلك الدور الحضاري العُماني المهم، بما تقوم به من أدوار سياسية محورية، وبما يؤكد مكانتها الإقليمية ويساهم في تدعيم إستراتيجيتها الأمنية التي تهدف إلى الحفاظ على المنجزات التنموية الحديثة، وبناء الإنسان العماني داخليا، وإلى المحافظة على العلاقات الودية مع الدول الشقيقة والصديقة خارجياً.

وتناول الباحث صالح بن سليم الربخي في فصل بعنوان البُعد الحضاري للثقافة العمانية تحدث فيه عن الأبعاد والمرتكزات للثقافة الإسلامية العُمانية، كما تحدَّث عن المساهمة العمانية في خدمة الحضارة الإنسانية، ودور العُمانيين في النشاط المُباشر لنشر الدعوة الإسلامية، والحركة العلمية لعلماء عُمان، والنشاط التجاري والملاحي والأثر الحضاري لذلك، كما تحدث عن مساهمات العُمانيين في الفتوحات الإسلامية.

وفي بحث كتبه محمد بن سعيد الفطيسي تحدَّث فيه عن قيم التلاحم العُماني، أبرز فيه التصدي للهجمات الهادفة للنيل من مقوماتنا الإسلامية بوجه عام، والوطنية بوجه خاص، ولتعزيز الدور الحضاري والإنساني الذي يُمثله المسلمون أولاً، والعُمانيون بعد ذلك في هذا العالم.

وقال الفطيسي في بحثه: حين نتحدث في عالم اليوم عن منظومة القيم، فإننا نمس مباشرة جوهر الإنسان من جهة، ومجال التدافع الحضاري الحقيقي من جهة ثانية. ولئن كان المسلمون يفتخرون عبر تاريخهم الفكري والحضاري بامتلاكهم لمنظومة قيم متكاملة ذات مرجعية صلبة، تستند إلى الوحي، وجدت تجلياتها في صياغة الإنسان، وصناعة محطات مهمة من تاريخ الإنسانية، فإنّ هذه المنظومة بقيت مغمورة في أصولها النظرية، بل وحتى في تفصيلاتها العملية.

وأكد في بحثه أنّ للقيم أهمية عظيمة في حياة الأوطان والمجتمعات بكل أطرافها، فالمجتمع الملتزم بالقيم مجتمع يجمع بين الرقي والأمان، ويحظى بالاحترام والنهضة في آن واحد، وما ذلك إلا من ثمار هذه القيم، سواء كانت ما يعرف منها بالعليا كالحق والحرية والعدل والصدق والأمانة والإحسان، والتي تجعل من الفرد إنساناً سوياً مشاركاً في البناء بإيجابية، ملتزما بالحقوق والعدل بصدق ومسؤولية، قائماً بحق الله وحق الناس في دافعية وذاتية، ومبادرًا بالعمل لنهضة وطنه وأمته، وهذا من أهم أسباب استقرار حياة الفرد ونمائه.

 وفي بحث للدكتور إسماعيل بن صالح الأغبري تحدث الأغبري عن الروح الوطنية للعُمانيين ولاء وانتماء على مر العصور، وحب الأوطان غريزة متأصلة في النفوس، والوطن والإيمان لا يتعارضان، فإنّ قيم الدين وتمكين الإسلام لا يكون في فراغ أو فضاء، وإنما لابد من أرض عليها يقام، وكثير من العبادات لابد من أدائها على بساط من الأرض كالصلاة في الوضع الطبيعي، وهكذا سائر العبادات.

وقال في بحثه إنّ العمانيين عرفوا بنزعة الاستقلالية وهذا يتجلى من خلال إعلان دولتهم أيام الإمام الجلندي بن مسعود عام 132هـ، ثم ما إن أطاح بها بنو العباس حتى تحينوا الفرصة للخروج من عباءتهم، فاختاروا الإمام محمد بن أبي عفان. وقال إنّه ما إن يتفرق العُمانيون في بعض فتراتهم التاريخية وتقع بلادهم في قبضة الغزاة من الفرس والبرتغال، حتى يتجمعوا تحت شخصية وطنية، تكون رمز وحدتهم، تقوي من جبهتهم الداخلية، ثم يتفرغون لدحر الغُزاة، كالذي حصل أيام الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، ثم الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، ثم حضرة صاحب الجلالة السُّلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه-.

ورأى الأغبري أنّ الالتفاف حول الرمز يُعين على الولاء الوطني، وإن اتباع الوسائل الشرعية والقانونية في النقد، كفيل بتعميق الوطنية من غير صخب أو عنف أو تشدد.

وتضمن الكتاب قصيدة للشاعرة خديجة بنت علي المفرجية، تغنت فيها بالأمجاد العُمانية منذ عهد مزون ومجان، ووقفت عند ذاكرة الزمان فيما يشبه ملحمة تاريخية حتى بلغت العهد الحاضر، والذي يزهو منذ السبعين بالكثير من المنجزات التي تحققت على هذه الأرض العُمانية. ويقع في 182 صفحة من الحجم المتوسط، وألحق بآخره مجموعة من الصور الضوئية للندوة.

تعليق عبر الفيس بوك