التعثر بالسخافة

آمنة الربيع

تركتكم في موضوع (نظرة) السابقة (ورش الكتابة زاوية نظر للعالم) مع خلاصة إريك بنتلي التالية: كل شكل من أشكال الدراما له موعده مع الجنون. ولما كانت الدراما تعني بالمواقف القصوى، فإنّ الموقف الأقصى لدى البشر- فيما عدا الموت- هو ذلك الحدّ الذي ينطفئ عنده العقل. ويجدر بنا أن نسأل: ما الذي يُعنيه انطفاء العقل بالنسبة لنا و لدرامانا العربية؟ لا أملك إجابة نهائية والأحرى أن أستعين بأصدقاء ليساعدوا الدراما من الوقوع في شرّ الاستهلاكيات غير المرحة.

هل الدراما مدمرة في السنوات الأخيرة لأن نشاطا متزايدا لكتابة سيناريوهات المسلسلات عبر نظام الورش يمتلك زاوية نظر مختلفة للعالم أو متناقضة مع دراما لم تكن مدمرة من قبل، قد لاقى حضورا مكثفا لدرجة اختلط الحابل فيها بالنابل؟! أم أن نظرة لإطالة عنق الدراما التركية وتمددها كالأخطبوط بين ظهرانينا جعلنا في وضع يرثى له؟ أم لأن كلّ ما حولنا مجتمعيا وثقافيا يتعثر بالسخافة؟  

قد لا تبدو مرحلة درامانا سخيفة تماما. سياسيا ألم تنجح الشعوب مثلا في (إنقاذ الأمل: الطريق الطويل إلى الربيع العربي)؟ نعم، هذا صحيح، كما نجحت سياسات الربيع في تهجير الشعوب وتوسيع دائرة الشتات والعيش في مخيمات! إن مرحلة درامانا قاتمة جدا، ولهذا هي عنيفة ماديا ومعنويا معا. فهل القتامة سببها خطأ سياسي أم سوء في التقدير؟

من المدهش لنا جميعا أن المرء لا يستحم في النهر مرتين! والذين عاشوا العصر الذهبي للدراما (العصر الذي لم تكن فيه مدمرة) دون أن يتعرضوا للمصاعب والعراقيل التي تمر بها اليوم (خارطة طريق جغرافيتنا العربية) يحمدون الله تعالى ويشكرون التاريخ! هل حقا يستطيعون فعل ذلك بأعصاب باردة؟!

ولأن نظرة اليوم تستند على السابقة، لا أستطيع أن أنكر روعة الثنائية التي اشتركت فيها دلع الرحبي وريم حنا لكتابة مسلسل (الفصول الأربعة)، وثنائية زهير قنوع ولبنى حداد في مسلسل (أهل الغرام) كما لا أقدر أن أعبر عبورا كريما من هنا دون الإشارة إلى بعض ورش كتابة سيناريوهات المسلسلات وبوسعي أن أقول الكثير في مدح معالجات درامية جيدة قدمتها حصريا مريم نعوم مع هالة الزغندي في مسلسل (سجن النسا) ومع ثامر محسن في (تحت السيطرة)، ومع وائل حمدي، ونادين شمس، وإسلام أدهم، وهالة الزغندي في (موجة حارة) جميعها زاويا نظر للعالم سواء بحلقات منفصلة أو متصلة. ما الذي فعله هؤلاء بالدراما؟ تخيّروا قطعا من حياة الناس ورسموها. والدراما قبل أن تكون مدمرة، كانت منتقاة ومنتخبة موضوعاتها من حياة الناس، وكان بها القذارة. لكن ما مررته لنا الدراما قبل أن تكون مدمرة من مشكلات الناس كان أشبه بوخز ألم إبرة، أما ما فعلته بنا في الأعوام السابقة أنّها جعلت ألم الإبرة دملا كبيرا متقيحا متراكما بالأوساخ.

السيناريستيون العارفون بالدراما لا يستطيعون أن يشربوا قهوتهم بأعصاب باردة كالغرباء. إنهم قلقون إزاء العالم الذي يتبعثر ولم ينجح في لملمة شتاتنا وإبراز هويتنا. ويظل التباين بين أجيال الكتّاب كما أراه ظاهرة نموذجية لأزمة التأليف الدرامي، جاءت نتيجة أزمات متصلة في فلسفة الفكر ونظرتنا إلى الوجود. ويبدو أن الدراما المدمرة المتعثرة بالسخافات (طفيليات تعيش على هامش الحياة صارت مركزا) توحي بحسّ عميق لاضمحلال العقل.  

إنطفاء العقل تعبير مخيف! وعلى كتّاب الدراما إنقاذ الأمل والبشر، وأخلاق قيم العدالة والحرية والكرامة والآدمية كي لا نتعثر بمزيد من السخافة. 

أختم نظرة بما يلي: لا داعي لليأس في أحلك المواقف شدة وصعوبة، وعيدكم مبارك ومجيد وكل عام وأنتم بخير..    

تعليق عبر الفيس بوك