أريد زوجةً لا جارية!

راشد بن حمد الجنيبي

عادة ما تؤثر نظرة المجتمع على الفرد في قراراته وخططه وبداياته، خصوصا في المجتمعات المتداخلة في بعضها والمتعاونة، ما تجد شابا في مقتبل العمر متخرجاً من مرحلة الثانوية حتى يحن المجتمع على رأسه "نسبتك وجامعتك!!"، وبعد التخرج يسأله المجتمع "أين وظيفتك ومتى تعمل!" وحين يعمل يقول المجتمع "متى الزواج"، وبعد الزواج "متى تنجب؟" وبعد الإنجاب "لماذا لا تبني بيتاً"، هذه المقدمة قد توضِّح شيئاً من أسباب المشكلة الْمراد طرحها في السطور التالية.

الزواج هو نتيجة الانجذاب الفطري بين الجنسين، سواء كان الانجذاب جنسا عاطفةً حباً إعجاباً أو تكاملا، وهذا سارٍ على معظم مخلوقات وجماديّات الكون، فالنخلةُ الذكر تحب النخلة الأنثى كحبّ الأسد للبوته، فالانجذاب الفطري الطبيعي هو اللبنة الأصل في الزواج، ثم يأتي النضج الحاسم ليحول هذا الانجذاب لتكاملٍ وزواج باختيارٍ واعٍ من الطرفين، سنّة الزواج موجودة منذ أن وُجِدَت الخليقة وستظل ساريةً إلى ما بعد النهاية، وهي سنة الوجود والحافظة للجنس البشري، الزواج هو الترابط المقدَّس الكامل بين طرفين في كل مكان لهم وزمان، والترابط يُشبع حوائج الطرفين الأمنية والسكينيّة والاستقراريّة والنفسية والعاطفية، ويغلَّفُ هذا الترابط بنوايا الطرفين بالديمومة والاستمرارية.

هذه اللَبنة الفطرية هي أصل الزواج، وليس الأصلُ في الزواج نتاج ضجيج المجتمع، لكن جشع الإنسان أو جشع الجماعة خلق عوائق أمام هذا الانسجام الفطري السماوي، بل حجّمه ونفث منه السمةَ النورانيّة منه، هذا الجشع يتمثل بشروطٍ تُسَنُّ على المُقدِم على الزواج ويفرضها المجتمع إن صح التعبير، الجشع يتمثل في المهرِ وشرط غلائه، ليس في بركة التيسير، يتمثل الجشع أيضاً في فوقيّة النسب والحسب المبالغ فيها، ليس في وجود الترابط والتوافق بين الطرفين، ومن شجاعة المجتمع أو ولي الأمر إذا سهّل هذا الوصال متجاوزاً الحاجز المذهبي والديني، وليس من العدل والمروءة أن يصير الزواجُ بائساً بأن يُلزم المرء على زواجٍ إجباري طمعاً لمصلحةِ طرفٍ ثالث، والزواج المبكّر للقاصرةِ بالذات ماذا عساه أي يكون غير نتيجة طمعٍ أو جشعٍ أو تراجيديا قبليةٍ وثقافية.

هذا الجشع ينتج زواجاً مكلوماً هشّاً، لأن لا انسجامَ ولا توافقا ولا حتى وئاما بين الشريكين لكي يُبنى منه ترابط الزواج، فترتفع في المجتمع نسب الطلاق، وتُهدم البيوت التي لم تُبن بعد بالطلاق المبّكر، أو تختنق البيوت بالطلاق الصامت، وهو الطلاق العاطفي، الذي يجعل المرء وزوجه يعيشان في جمودٍ وركود، وفقر في العواطف وشُحٍّ في أبسط معاني الحب أو حتى المجاملات، فيؤثر ذلك سلباً على الأبناء بألا يجدوا خزينةً عاطفيةً ترويهم أولاً، ولا يجدون حُضناً بالمعنى الحقيقي يأويهم ويفهمهم، وينتشر بعدها في أرجاء البيت كله وباء الجمود وفقر العواطف وتَحجُّر النفوس، لأن الزواج من بدايته بُني على جشع الانسان وجهله.

لو اتقمص شخصية أحد الطرفين، الشريكة والشريك، فأقول باسم الشاب الآمل بالكمال الديني والإنساني والنفسي: هذا الجشع وهذه الأطماع وهذه العوائق والشروط تخلقُ مواصفات خانقة حادة للشريكة، فالوجه السلبي للمجتمع يملي علي باختيار شريكة حسناء فلقت من قمر، خدومة شكورة لا عصيان يأتي منها ولا نقاش، ذات حسب ونسب وهي فقط معينة لي ولشؤون حياتي وأهدافي وآمالي وأحلامي وتمنحني الاسترخاء النفسي والجسماني، وصرخة على وجه المجتمع وعلى لسانِ الشاب الآمل بالكمال مجددا أقول: لا!! فلست أبحث عن جارية تأوي غريزتي وتخدمني وتعينني لتحقيق أهدافي أنا فقط، بل أُريدها تملأ بالحياة والانتعاش والطموح والانطلاق، وليس وراء كلّ رجل عظيم امرأة، بل كلاهما تلاحم وتوافق عظيم يخلق به نجاح أعظم، فهناك من بنوا أنفسهم بأنفسهم، باسم الشاب الطامح بالكمال.. أرجو الشريكة أن تكون معي وجنبي ولها خططها في الحياة وأهدافها ونتاجها حتى في المجتمع ولي أهدافي وآمالي، وألا تكون خلفي مهمشة باسم نجاح الرجل الشريك الزوج.

" فاظفر بذات الدين" سيّد البشر، من الحكمة أن ينم الزواج باختيار عن توافق وتكامل بين الطرفين، وينار ويستنار بإشراف عائلي من الطرفين كذلك، أو حتى إن كان باسم الخطبة، لاكتشاف طبيعة الشريكين لبعضهما، ولتعزيز سبل الوصال أكثر فأكثر، ولرسم أهداف حياتهما معاً وخططهم وهذا أعظم مراحل التوافق، فالزواج قرار ونصف دين، وكمالُ حياة وانسجام مقدس.

[email protected]