ورش الكتابة.. زاوية نظر للعالم

آمنة الربيع

اختتمنا نظرتنا السابقة "السيناريو..." بأنَّ السيناريو في درجة صفر الكتابة قد يحتاج إلى أنّ يتبين موضع قدمه، في ظل وجود أفكار متعددة تتحول في نظام الورشة لتتجسد في فكرة واحدة هي التي سيظهر المسلسل باسمها، في حين سيختفي المؤلف الكلاسيكي لتبدأ بالظهور هيمنة من نوع مختلف تتلخص في اللاهيمنة واللاسلطة لكائن ما.

وفي ظلِّ كتابة السيناريو بنظام الورشة والتدريب وتبادل الأفكار بين المتدربين واقتراح المعالجات الدرامية المناسبة ورسم الشخصيات الأوفر قيمة من حيث الدرامية والإنسانية يظهر لنا أنه لا وجود نظريا لأيّ مجد إلا للفكرة، (فأما الزّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).

وكما تغيَّر وجه العالم، ظلت هناك أسس لم تتغيَّر؛ فالقواعد الأساسية لكتابة العمل الدرامي لم تتغير. صحيح أن طرق تكنيك الكتابة وفنياتها التقليدية قد تطورت وانتقلنا من رواٍ عليم يعرف كل شيء إلى راوٍ مشارك وآخر يفتح آفاق التلقي على أبواب الخلود... إلخ بفضل تقنيات مكاسب متعددة كالتكنولوجيا المتطورة واتساع مجال الفنون التشكيلية الحديثة وما تطرحه من مفاهيم كفن الفيديو أرت وفن التركيبات في الفراغ، وأيضا فن الفوتوغرافية واللعبة التي تلعبها الصورة سياسيا وأيديولوجيا، كلّ هذا استفادت منه الكتابة الدرامية لتطوير المخيّلة كما استثمرها المخرج.

لكن، ظلَّ المؤلف الدرامي -كاتب السيناريو والحوار- في صورته التقليدية محفوظا في برواز على جدار الذاكرة بمثابة صمام الأمان لزهو الدراما التليفزيونية ومجدها التليد. الأمثلة على ذلك كثيرة ومع الأسف لا تملأ مجلدات، ولا بأس أن نشير إلى بعضها: أسامة أنور عكاشة، محفوظ عبدالرحمن، محمد السيد عيد، محسن زايد، محمد جلال عبد القوي، محمد صفاء عامر، خيري شلبي، عبدالرحيم كمال، وليد سيف، جمال أبو حمدان، هاني السعدي،...إلخ، القائمة ظاهريا لا تبدو طويلة، ولكنها معقولة نسبيا.

ليس كل كُتاب السيناريو في مستوى ذهني وفكري واحد لأن تجاربهم الشعورية مختلفة ومتباينة، ولكنهم في الدراما التي تجمعنا في رمضان يبدو أنهم قد تعاونوا كلٌّ على حدة لتمجيد ذواتهم فيما قدموه من أفكار وتناولوه من أعمال فنية سابقة على كتابة السيناريو بواسطة نظام الورشة. وكما لا تستطيع ذاكرتنا -بغير الأسماء السابقة- أن تتجرد عن إعجابها وتقديرها لهم، لا أستطيع أن أتغافل عن ذكر كاتبات السيناريست بغير نظام الورش، فأذكر حصريا: عزة شلبي، دلع الرحبي، وأمل حنا!

لقد حالف الحظ الجمهور العربي الذي تربى من المحيط إلى الخليج على الأسماء السابقة مشاهدة مسلسلات تُعدّ بلغة النقد (خالدة) وهذا شيء حسنٌ. وإن كنت مصيبة فيما سأقوله، أن تلك الأعمال الخالدة أغلقت فكرة العثور على خلاص لمجتمعاتنا لدى كتّاب الورش. وأنها تعيدنا إلى الجدل المتأصل في طبيعة الإنسان حول القديم والجديد، أو الكتّاب الجدد والقدامى.. لنستمع إلى الكاتب محفوظ عبدالرحمن في حديثه عن تحول الدراما المصرية واصفا تحولها في السنوات الأخيرة إلى دراما مدمرة! هل ذلك صحيح؟

لا أملك دراسة إحصائية لتقرير مصير الدراما البائس، ولا أوجه اتهاما مباشرا وصريحا إلى نظام الورش بفساد الذوق العام للمتفرجين "فأنا أسعى إليها"، لكن ما أكاد أطمئن إليه أننا على موعد مع اختلال الأشياء والعناصر. سأترككم مع خلاصة إريك بنتلي التالية: كل شكل من أشكال الدراما له موعده مع الجنون. ولما كانت الدراما تعني بالمواقف القصوى، فإنّ الموقف الأقصى لدى البشر- فيما عدا الموت- هو ذلك الحدّ الذي ينطفئ عنده العقل.

يجدر بنا أن نسأل: ما الذي يُعنيه انطفاء العقل؟ وما الذي فعله لنا لكي لا نصل إلى ما وصفها به معلمنا محفوظ عبدالرحمن؟

تعليق عبر الفيس بوك