مسلسل متوسط السُمعة

نظرة

آمنة الربيع

موت المؤلف! مقولة تُنسب إلى رولان بارت. ملأت مقولته الدنيا وشغلت النقاد والفلاسفة والمُفكرين والكتّاب. ولو كان القدر قد أتاح لبارت أن يكون بيننا مشاهدا لدراما مسلسلات رمضان من المحيط إلى الخليج لصرخ فينا قائلا: فلتقتلكم مسلسلاتكم!.

في ظل تسابق محموم على حيازة المتفرج والسيطرة عليه بدأت نهايات المسلسلات تقارب على الافتضاح. هناك متابعات من بعض المتفرجين تتغيّا الاستمتاع بالصراع الدرامي وتترقب مآل الشخصيات، يُقابلها متابعات فاحصة ودقيقة للهفوات والسقطات والأخطاء الفنيّة الكبيرة التي لا تخلو من كلّ مسلسل.

لقد أشرت في نظرة سابقة بعنوان حاسّة التمثيل عند الممثل إلى وجود ممثلين ينجحون في اختيار الأدوار التي توقظ لديهم حاسّة التمثيل. فينطلقون من إحساس عميق فيهم بأن وجودهم في العمل الفني هو اختبار لقدراتهم التمثيلية، وهذا ما يجعلهم يشعرون بالخوف والقلق تجاه التجربة الجديدة التي يخوضونها. وأن الممثل الذي يسجّل عددا من نجاحات متصلة في أعمال درامية قوية، ليس أمامه إلا مواصلة النجاح؛ لأنّ سقوطه سيكون فشلاً كبيرًا. والعلاقة بين الممثل الجيد والمخرج الممتاز من نوع العلاقات التي لا ينبغي أن تكون مقلقة أو مربكة أو يتخللها أيّ نوع من المجاملة والمحاباة. لأنّ المخرج هو سيد العملية الدراميّة، فهو الذي يُحرّك ممثليه، ويُوّقع العمل باسمه في نهاية التتر، فهو الذي يعمل على ملء الشخصيات الدرامية العادية ليجعل منها غير عادية. فكم من ممثل صغير استطاع بقدرة موهبته وأدائه الفني أن يتحول من ممثل إلى نجم كبير، ولا يقتصر ذلك على قدرات الممثل بمفرده بل تتابعها عين المخرج الخبيرة.

وهناك مسلّمة أنطلق منها وأؤمن بها وأقدسها هي أن النصّ أو السيناريو الجيد يفرض نفسه بقوة في سوق الإنتاج الدرامي. وأن العمل الروائي إذا تحوّل إلى وسيط ثان غير الوسيط الذي أبرزه وسبب له شهرة مدوية سيفقد كثيرا من خصائصه التي كان عليها في نبتته الأولى. ومن هنا، أجدني متفهّمة كثيرا إزاء جميع الملاحظات الجّادة التي لاحقت مسلسلي أفراح القبة المأخوذ عن رواية الأديب الراحل نجيب محفوظ، وساق البامبو للروائي الكويتي سعود السنعوسي.

ومع اقتراب نهاية الشهر الفضيل تبدأ المسلسلات الدرامية هبوطها التدريجي لتقول ما تراه مناسبًا من نهايات قد تكون مفتوحة أو مغلقة. وبدت في الواقع الملاحظات الجّادّة من المتفرجين المتابعين تدور في فلكين متباعدين، الأول ما يتعلق بالتدخل الكبير من مؤلف السيناريو بإضافة أحداث وشخصيات وحبكات ثانوية إلى أصل العمل الروائي. في حين تعلقت الملاحظة الأخرى بفلك الإخراج والأخطاء الفنية التي قد يراها بعضنا أنّها من العيار الثقيل ولا تغتفر. ولا تقتصر الملاحظات على هذين العملين الجميلين، بل هناك مسلسلات موّقعة بأسماء مخرجين كبار سببوا للمتفرجين صدمات.

ومن باب الموضوعية أقول، إذا كان بوسعنا تقصّي تلك الأخطاء إلى ما هو أبعد زمنا لخرجنا بمسلسل متوسط السُمعة مكون من سباعية مبتذلة! فذاكرة المتفرجين عليها ألا تقسو على نفسها وتجلد ذاتها بالسياط، فمن المعروف أن السينما العالمية التي نمتدحها بين ظهرانينا وفي لاوعينا ويقظتنا وقعت بعض أفلامها الحائزة على جوائز عالمية معروفة كجائزة الأوسكار في أخطاء فنية يصعب ملاحظتها إلا على المتفرج الفاحص.

إذا اتفقنا جدلا أن السيناريو قد أضاف إلى المسلسلين (أفراح القبة وساق البامبو) إضافات أبسط ما نصفها فنقول "جميلة"، وأعمق ما نقرّه لها بأنها إضافات لها ضرورة درامية، فإنّ أغلب ما يقع من ملاحظات خارج الضرورة الدرامية كأداء بعض الممثلين الفاتر في ساق البامبو مثلا، يظل مجال مناقشتها في مساحة أخرى، فأنا لا أصنّف ما يتلفظ به لسان شخصيّة الممثلة شجون كلزمة لفظية لشخصيتها بضرورة دراميّة بقدر ما يُعدّ قراءة خاطئة لتمرير الشخصية إلى قلوب المتفرجين. وللنظرة تتمة..

تعليق عبر الفيس بوك