مسلسلات الخليجيات

نظرة

آمنة الربيع

ربما يبدو غريبًا أن نقول ليس هناك من اختلاف كبير بين مسلسلات كاتبات السيناريو الخليجيات أسمهان توفيق، وداد الكواري، فجر السعيد، هبة مشاري حمادة، حياة الفهد، نوال الحوطة، زينب العسكري، هديل المرجان، أنفال الدويسان، عامرة الخريمي، إيمان سلطان، وليلى الهلالي. لقد وضعت البيض كله في سلة واحدة! ومع ذلك إذا أمعنا النظر في كل مسلسل على حدة، واختبرناه بعناية، أو تناولنا تجربة كاتبة سيناريو محددة سنعرف أن بعض المسلسلات تحتوي على قضية جوهرية، وأن هذه القضية تعرض لنا حياة المجتمعات الخليجية.

مع بساطة الفقرة السابقة إلا أن بها قدرا من الخطأ. قلت "تعرض لنا حياة المجتمعات الخليجية"، وإمعانًا أكثر دقة، هي تعرض حياة تلك المجتمعات على وجه الحقيقة، لكنها تأخذ قطعة من حياة الناس في الغالب هم من الأثرياء الذين يتحدثون بنعمة ربهم بلا حدود، وعندما تغوص أكثر في هذه القطعة المنتخبة نراها تدور حول أناس يعيشون في بيوت أشبه بالقصور، وترتدي نساؤهم أفخر الملابس على أحدث الموضات، وبالغوص أكثر نشاهدهم يركبون السيارات الفارهة، ويأكلون طعامهم في مطاعم أفخم الفنادق وفي أسوأ الأحوال في مطاعم الوجبات السريعة.

ولكي تضفي الكاتبة على قطعتها المنتخبة للدراما الصبغة الدنيوية الحقيرة تركض ركضًا إلى الفضائحيات والفساد ومطارحات الغرام والانتقام وسرعان ما تقع الأسرة في مزالق مشكلات السحر والتفكك العائلي والخيانات الزوجية والعهر الاجتماعي والمخدرات! كان هذا هو العالم الذي أدخلتنا إليه مسلسلات الكاتبات وكأن مجتمعات الخليج نسخة طبق الأصل من فيلم فاشل عنوانه الضياع والهلاك! وعندما يصل الأمر إلى تلك المرحلة، التي تضع الحاضر والمستقبل في ثلاثين حلقة ممطوطة كلها صراخ وبكاء وعويل وشتم وبؤس يكون المجتمع المحلي بحاجة إلى معجزة لتنقذه من التهريج والجنون!.

لنرجع إلى سؤالنا الذي طرحناه بالأمس: في ظل الكثرة الكثيرة من المسلسلات الخليجية ما الذي أرادت كاتبة السيناريو الخليجية أن نُصغي إليه؟ وعلامَ تتنافس الكاتبات؟.

إن كنّ يسعين إلى تأكيد ما ينصّ عليه الواقع فليس ما نشاهده من مسلسلات يتصل بالواقع أو يُعبر عنه. إنها حلقات تضج بالعاطفة وبالحرارة، بالتراجيديا والكوميديا، باختصار تضج بالتمثيل والفن، لكن صلتها بالواقع وما يعتمل فيه من قضايا ساخنة، وتاريخ غائر في الملكية الفردية لبعض العائلات الخليجية والأجنبية، وتغير ديموغرافي خطير يخل بالتوازن السكاني القادم بسبب العمالة الوافدة، والوجود في منطقة ملغومة بالمؤامرات والسياسات والمصالح، وغياب حرية التعبير ومؤسسات العمل المدني والسجون، وكذلك اختفاء النماذج الإيجابية من التاريخ القديم والمعاصر وغيرها من القضايا، كلّ هذا مما يستحق الانتباه له يتوارى عن دراما المسلسلات معلنًا المسرح على حياء كبير تبني تناولها ثم تتبعه الرواية. حسناً سأبتعد عن الفقرة السابقة وسأسارع إلى الاستشهاد بنموذج أرى أنّه قد أحدث فارقًا على صعيد القضية التي تناولنها هو مسلسل (قلوب للإيجار) للقطرية وداد الكواري. هل تذكرون هذا المسلسل؟ أخرجه المخرج البحريني المتميز محمّد القفاص في عام 2009م، وتدور أحداثه في قالب كوميدي راصدة لنا ما كان يُعرف بالأزمة المالية العالمية وتداعياتها على العالم. إنّ جذور الأزمة التي بدأت في عام 2007م لم تنته بعد، بل تطورت تأثيراتها السلبية بصورة من العقد المتشابكة لنجد أنفسنا في عام 2014م، نقف مفزوعين وقلقين من شبح أزمة انخفاض أسعار النفط.

إلى ماذا يجب أن نصغي بعد كل هذا؟ إن غياب الاختلاف الكبير الذي أشرت إليه في البداية يجعلني أقول بإطمئنان أنهن امتداد لبعضهن بفوارق طفيفة. فلا شك أن المتفرج الذي قد لا يفتتن بمشاهدة ما قدمته عوالم فجر السعيد أو ليلى الهلالي سيكون ممتناً لوداد الكواري وحياة الفهد.

تعليق عبر الفيس بوك