البلسم الشافي (الجزء الرابع) (9)

حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني

أيها الإخوة الأكارم، لا زلنا نستعرض الآيات التي تتحدث عن صراط الله -تعالى- الذي سلكه الأنبياء والصالحون من جميع الأمم فكان سبب توفيقهم وسعادتهم وسلامتهم وفلاحهم في الأولى وفي العقبى.

أيها الأفاضل، لنتأمل الآيات ( 58-70) من سورة النساء التي تحدثت عن كثير من لوازم ومقتضيات الاستقامة على درب الله؛ لقد بينت أن الله يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بين الناس بالعدل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا).

ثم أمر المؤمنين بطاعة الله -عز وجل- وبطاعة الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- وأولي الأمر، وأمر عند النزاع برده إلى الله وإلى الرسول -عليه من الله أفضل صلاة وأزكى تسليم-، وأنكر على من يدعي الإيمان بما أنزل إلى الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ويريد التحاكم إلى غيره تلبية لرغبة الشيطان، ثم ذكر صدود المنافقين عند الدعوة إلى ما أنزل بخلاف المؤمنين بالله حقا وصدقا، ثم ذكر تناقضات المنافقين وتمردهم وتلونهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا. أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا. فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا).

ثم بين الله -سبحانه وتعالى- أنه أرسل الرسل الكرام ليطاعوا؛ فهم يدعون لاتباع منهجه، وسلوك سبيله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا).

ثم بين الله -عز وجل- أنه لا يكون الإيمان إلا بتحكيم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- فيما شجر بينهم مع عدم وجود حرج في أنفسهم من قضائه -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- والتسليم المطلق، ثم ذكر بعد عدة جمل أن من ضمن عطايا الله عند الالتزام الخيرية والتثبيت والأجر العظيم والهداية للطريق المستقيم: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا. وَإِذًا لَآَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا. وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا).

ثم بين -جل وعز- العاقبة الحسنة لمن أطاع الله -جلت قدرته- والرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا).

فما أجمل السير في طريق الله -تعالى- الذي يجعل المرء مرافقا للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ويكسب الإنسان الخير العظيم والفضل العميم.

نعم، إنها التجارة الرابحة مع الله التي يعقبها الربح المضاعف والفوز الحقيقي والمنازل العالية (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ).

جعلنا الله من أهلها. آمين.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم

تعليق عبر الفيس بوك