البلسم الشافي (الجزء الرابع) (8)

حمد الحوسني*

أيها النجباء، ذكرنا في خاتمة لقائنا الماضي أن سلوك طريق الله يعني القيام بعبادة الله تعالى كما شرع، وقلنا إن الشيطان الرجيم يحاول أن يضل الناس عنها، وأن يحرفهم عن مسلكها.

نعم، عندما ذكر الله موقف قوم النبي - صلى الله عليه وسلم- وصدودهم عندما ضرب سيدنا عيسى -عليه السلام- مثلا أمر بعد ذلك باتباع صراطه المستقيم، وأتبعه التحذير والنهي من التأثر بمسلك الشيطان المعاكس مبينا عداوته المبينة، ثم ذكر دعوة المسيح - عليه السلام- لقومه، وأنّها تضمّنت الأمر بعبادة الله، وبيّن أنّ ما جاءهم به عن الله صراط مستقيم: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ. وَقَالُوا أَآَلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ. وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ. هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [سورة الزخرف: 57-66].

وقد بين المولى -عز وجل- أن من نعمه الجليلة على عبده ورسوله محمد - صلى الله عليه وآله وسله - هدايته صراطا مستقيما: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) [سورة الفتح: 1-2].

أيّها الفضلاء، دعونا نتأمل هذه الآيات (18-20) من سورة الفتح: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا. وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا. وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا)، لقد تحدثت عن المؤمنين أصحاب بيعة الرضوان، وعن وعود الله - سبحانه وتعالى- ونعمه، وكان من بينها الهداية إلى صراط مستقيم.

وقد ضرب الله - سبحانه وتعالى- مثلا للكافر بمن يمشي مكبا على وجهه، وضرب مثلا للمؤمن بمن يمشي سويا على صراط مستقيم؛ يقول الله - تبارك وتعالى-: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الملك: 22]، وفي هذا دلالة على أن منهج الله الذي أمر باتباعه بعيد كل البعد عن أي انحراف أو ميل أو زيغ أو شطط أو اعوجاج.

أيّها الإخوة الأعزاء، عند ما أمر الله - سبحانه وتعالى- بالتوجه في الصلاة لشطر المسجد الحرام بدلا من التوجه إلى المسجد الأقصى تحدث البعض عن ذلك، وشككوا؛ فوصفهم الله بالسفهاء، وذكر أنّه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ثم بين عقب ذلك أنّه جعل المؤمنين بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- أمة وسطا؛ فهم خيار عدول لا غلو عندهم ولا إفراط ولا تفريط: (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [سورة البقرة: 142-143].

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم.

تعليق عبر الفيس بوك