البلسم الشافي (الجزء الرابع)(6)

حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني*

أيُّها الإخوة الأكارم والأخوات الكريمات، ختمنا لقاءنا الماضي بذكر قصة أبينا آدم وزوجه حواء الواردة في سورة (طه) وما تبع ذلك من تخويف للمُكذبين بدعوة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- من نزول العذاب عليهم كما نزل بمكذبي دعوات الأنبياء والرسل السابقين الذين يمشون في مساكنهم، ثم ما تبع ذلك من أوامر للنبي - صلى الله عليه وسلم- التي هي من مُقتضيات الاستقامة وسلوك صراط الله المستقيم والثبات عليه، وعقبنا بعد ذكر الآيات بأن هذا يبين مدى عداوة الشيطان القديمة والمستمرة لبني البشر.

أيها الفضلاء، هذا ما حذر سيدنا إبراهيم -عليه السلام- منه أبيه عند ما كان يدعوه إلى الإيمان بالله -عزّ وجلّ- وعبادته وحده: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) [سورة مريم: 14-46]؛ فانظروا - رحمكم الله- كيف أن ركونه إلى هواه وتأثره بمكائد الشيطان الرجيم وتقليده لسلفه الطالح جعله يخلد إلى الشرك بالله، ويجانب الحق!

وقد علمنا الله - سبحانه وتعالى- أن ندعوه أن يهدينا الصراط المستقيم في كل ركعة من ركعات الصلاة في كل يوم وليلة وفي الحضر والسفر وفي حال الصحة أو المرض وفي الغنى أو الفقر وفي السلم أو الحرب وفي كل الأحوال وفي مختلف المُناسبات، وأن يجنبنا صراط المغضوب عليهم والضالين الذين اتبعوا إغواء إبليس وتزيينه؛ فالمصلي يقرأ في كل ركعةٍ الفاتحة التي تعد قراءتها ركنًا من أركان الصلاة؛ بحيث لا تعتبر صلاة من تركها، وقد جاء في هذه السورة الشريفة (5-7): (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ).

وفي هذا دليل واضح على أن التوفيق للخير والهداية إنما هو بيد الله وحده، وعلى العبد أن يتعرض له من خلال الدعاء والأخذ بأسبابه.

والله - سبحانه وتعالى- قد أنزل آيات مُبينات ليهدي الناس إلى صراطه المستقيم وطريقه القويم: (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة النور: 46].

وهذا الذي يراه أهل العلم؛ على خلاف بين المفسرين في المقصود بهم: هل هم مسلمة أهل الكتاب كعبد الله بن سلام ونظرائه أو أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم-: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سورة سبأ: 6].

وقد كانت الدعوة إلى الالتزام بصراط الله هي جوهر دعوة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ) [سورة المؤمنون: 73-74]؛ فالمصطفى -عليه صلوات الله وسلامه- بعث بمنهج معتدل وبشرع مستقيم لا اعوجاج فيه ولا انحراف عن الجادة ولا ميل عن سواء الطريق ولا زيغ ولا شطط ولا إفراط ولا تفريط؛ بل هو وسط خيار معتدل؛ لينذر الناس به، وليأخذ بحجزهم عن النار، وليبعدهم عن عذاب الآخرة، وليرشدهم إلى ما يصلحهم ويُسعدهم في الدارين، وليوصلهم إلى شاطئ السعادة وإلى بر الأمان: (يس. وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ. لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ) [سورة يس: 1-6].

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمُشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم

تعليق عبر الفيس بوك