سفراء غير مُكلَّفين..!

 

لا تُخطئ العين مُنجزًا إعلاميًّا تحقَّق للسلطنة على مدى سنيِّ العهد الزاهر، أسهم في تجذير عناصر القوَّة، وبناء القناعات والاتجاهات لدى المواطن، وتشكيل الرأي العام؛ عبر طرحٍ جديدٍ للقضايا والهموم والإشكاليات، ومعالجةٍ موضوعيةٍ رصينةٍ، وضعتْ المواطنَ أمام مرآةٍ حصينةٍ تفتح آفاقا أرحب للرأي والرأي الآخر، والحوار الهادف البناء؛ بغرض إيجاد "نقاط مُشتركة" يُمكن التأسيس عليها في رحلة البناء والعطاء.

ولعلَّ فكرة البرنامج التليفزيوني "أوتوغراف"، والذي يُعرض هذه الأيام على شاشات التليفزيون العُماني، لتأتي مُنسجمةً مع هذا الإطار؛ إذ يلج دَرْبًا جديدًا من دُرُوْب الإعلام التفاعلي، مُستلهِماً فكرته من تجارب عُمانية خالصة، تحمل خاتم الإبداع والتفوُّق، استطاعتْ أنْ تُثبتَ جدارتها وتفرُّدها خارج حُدود الوطن، عبر محطَّات مُتفرِّقة في بقاعٍ مُختلفة، مُتسلِّحين بثوابتِ هُويتهم، كسفراءَ عُمانيين غير مكلَّفين لمَجَان المجد؛ سواءً منهم من بَرَع في مشروعٍ رائدٍ، أو اختراعٍ متفرِّدٍ، أو بحضورٍ اجتماعيٍّ لافتٍ، أو نشاطٍ أدبيٍّ مُختلف، أو سَبْقٍ استثنائيٍّ في أي من مجالات الإبداع والتميز والاجتهاد.

فكلماتُ أحمد شوقي التي تتصدَّر مقدِّمة البرنامج يوميًّا، وهو يُنشد قائلا: "وطني لو شغلت بالخلد عنه..."، ترسم -وعلى مدى خمس عشرة دقيقة، وبرُؤى وتقنيات حديثة في التصوير والإخراج- ملامح برنامجٍ اجتماعيٍّ وطنيٍّ يرنو لإيجاد سُبل تواصل إنساني بين العُماني في الخارج والداخل؛ من خلال آفاق أرحب يُمكن الانتقال إليها متى ما توفَّرت الظروف الإيجابية التي تحفِّز على الابتكار، وتحقق أسسَ المنجز أيًّا كان توجهه، وبما يُسلط الضوء على النموذج العُماني المثابر في رحلة الوصول إلى أهدافه برؤى ناضجةٍ وإصرارٍ كبير.

وفضلا عن آلية المَزْج بين التصوير التسجيلي الوثائقي، والبرامجي الذي يعتمد على الأسلوب السَّلس الموثق، تتجلَّى بَرَاعة وسلاسة الانتقال بين التجارب بأبعادٍ مُترابطة.. هذه الحلقة تسلِّم تلك، عبر عناصر جذبٍ تُرَاعِي التنوُّعَ في الشخصيات ومواقع التصوير من دولة لأخرى، ومن خلال سيناريو مُغاير ومُختلف للإخراج باختلاف الحلقات، يبتعدُ عن الرَّسميات والمحاكاة، ومستغنياً عن الحوار الثابت والمباشر بإتاحة الفرصة أمام الضيف ليروي حكاية إنجازه، وبما يُعيد صياغة جديدة لمفهوم "الإبداع في المَهْجَر"؛ باعتباره سمتًا مُحفِّزًا نحو المعالي، بعيدًا عن المعنى الضيِّق بأنَّ "بلادنا طاردة للمواهب"؛ إذ الأمر يقف على العكس تمامًا؛ فمبدعو الخارج جميعُهم تلقُّوا تعليمَهم -سواءً: الأوَّلِي، أو الثانوي، أو الأكاديمي والجامعي- في مدارس وجامعات السلطنة؛ واستطاعوا أن يُصقِلوا ويُنمُّوا مهاراتهم؛ بما أهَّلهم ليكونوا رقمًا مهمًّا في مُعَادلة "التنافسيَّة" عالميًّا؛ كنماذج عُمانية تستحق الإشادة والتقدير.

فمن خالد بن عبدالله المحرمي صاحب أول مطعم عُماني وخليجي في مدينة كارديف البريطانية، مرورا بالطبيب مُهند بن محمد الحنيني المكلَّف بمسؤولية قسم العظام بأحد مستشفيات ألمانيا، وفيصل النبهاني مستشار السلطنة في منظمة التجارة العالمية، والدكتورة أمينة الحجرية المديرة العامة المساعدة للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) في المملكة المغربية، والدكتور محسن بن سليمان العامري خبير البصمة الوراثية في المحكمة الجنائية بهولندا، كلها نماذج تابعتُها على مدى حلقات البرنامج في الأيام الماضية، وكلها تُترجم مقولة "الإنسان ابن بيئته ومجتمعه"؛ فهؤلاء الشباب وغيرهم ممَّن خاضوا غمار تجربة النجاح بالخارج هم أبناء هذا الوطن الغالي، وهو ما لمسته من بَيْن نَظْمِ كلماتهم التي رسمتْ قصيدة في حُبِّ الوطن؛ تجعلُ منهم نماذجَ حقيقية للوجه الإيجابي والإبداعي لأبناء السلطنة. وبلاشك، فإنَّ التماهي مع مثل هذه النماذج المشرِّفة يُعمِّق اهتمامات شبابنا، وينأى بطموحاتهم عن السطحية والاتكال، بل ويَرْقى بمستويات الإبداع لديهم؛ خصوصا وأنَّ تلك الفترة من عُمر عُمان تحتاج -ومن واقع المسؤولية الوطنية- شبابًا جادًّا، شديدَ الطموح، صاحبَ تطلعات وعزيمة قوية، قادرًا على العمل والسهر لمواجهة الصِّعاب، مُنكبّاً على البحث والتحصيل والعمل، وهو ما يسعى "أوتوغراف" إلى ترسيخه من خلال تسليط الضوء على نماذج من أبناء الوطن استطاعت أن تنقش أسماءها بمدادٍ من ذهب في مُختلف المجالات. وهي غايةٌ كُبرى؛ خصوصا وأنَّ إيجاد قدوة في مجال ما يفتح الأبواب مشرعة أمام جيل من المبدعين، على الأقل سيكونون مُقلدين في البداية، إلا أنهم لن يلبثوا أن يكونوا علامات بارزة كأسلافهم، وبذلك نَصْنَع أجيالاً مُتعاقبة تُشمِّر عن ساعد الجدِّ لترفع اسم عُمان خفَّاقا عاليًا في كل المحافل الدولية.

... إنَّ الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون وُفِّقت هذا العام في تقديم خارطة برامجية "ممتازة" تتسق ومَرَامَات وفضائل الشهر الكريم، راعتْ التنويع والتميُّز والاختلاف؛ عبر مضامين عصرية تقدِّم قُدَوات من الشباب العُماني حَمَلُوا على عاتقهم أمانة بناء الحاضر وكتابة المستقبل، كمنارات يَهْتَدِي بها أبناء الجيل الجديد؛ باعتبار النجاح منظومةً متداخلة ومتكاملةً تقوم على العمل والتفاني والعطاء.