ساق البامبو ومحاكاة الرواية

نظرة 3

آمنة الربيع

مباشرة، وبلا مقدمات، سأتوقَّف عند مسلسل "ساق البامبو". هذا المسلسل الذي بدأ الجدل عنه ونحن ما زلنا في الحلقات الأولى. وأسئلتنا المشروعة هي: ما الإضافة التي يمكن أن يضيفها المسلسل لرواية المؤلف الكويتي سعود السنعوسي؟ وما القيمة الجمالية التي يمكن أن ينثرها المسلسل على خارطة الدراما الخليجية بشكل عام؟ وما الجديد الذي سيضيفه الفنانون؟ وما التطوير الذي حصل معهم بحيث يكون أداؤهم في هذا المسلسل متقدما على أداءاتهم في أعمال فنية سابقة؟ وما مناطق الصدق الذي وصلت للمشاهد بأداء الشخصيات الأجنبية؟ وهل هناك افتعال لدى بعض الممثلين؟ وإن وجد، فما تأثيره على التلقي؟ وما العلاقة بين المادة التي تناقشها الرواية والواقع المجتمعي في الكويت وعلاقة ذلك كله بالعقدة وتنامي الصراع الدرامي؟ وما الأفق الذي ينتظره المتفرج من تجسيد رواية ناجحة وحاصلة على عدة جوائز؛ منها: جائزة الدولة التشجيعية في الكويت عام 2012، والجائزة العالمية للرواية العربية البوكر 2013م؟ وماذا عن مغامرة الإخراج والجماليات المنتظرة من محمّد القفاص؟

وفي مسلسل "ساق البامبو" بتوقيع السيناريست رامي عبدالرازق الذي يدخل إلى عالم التأليف الدرامي للمرة الأولى أمامنا عمل روائي حَظِي بالاهتمام والتقدير من جهة لجنة التحكيم التي وصفته بأنه عمل محكم في البناء ومتميز بالقوة والعمق وتطرح الرواية سؤال الهوية في مجتمعات الخليج العربي. وأصداء هذا التقدير هو ما لمسناه منذّ الوهلة الأولى التي أعلنت مواقع الميديا خبرا عن بدء تحضيرات المسلسل ونُشر على اليوتيوب برومو العمل حتى تهافت المهتمّون وسارعوا إلى قراءة الرواية، وبعضهم بدأ يستعيض عن قراءة الورق بالاستماع بخاصية القراءة على اليوتيوب.

الناظر لنا أننا بإزاء متابعة فريدة من نوعها. فمن خصال الطبيعة الإنسانية أن تتلذَّذ بالصراع الذي لا يخلو من تشويق وتعقيد، ولكن الحاصل على ما يبدو أن الذين سارعوا إلى قراءة الرواية ربما فعلوا ذلك لخصلة أخرى هي المراقبة. نعم؛ هم يقومون بمراقبة السرد لا ليطمئنوا على قوة الدراما وتصاعدها بل ليطمئنوا على مطابقة المسلسل مع ما جاء بالرواية، وهكذا يفرّغ العمل الروائي من جميع الأثر الذي يتم اكتسابه في لحظة القراءة والتضحية به لمصلحة وهمية هي مطابقة واقعين مختلفين، واقع الرواية كجنس أدبي، وواقع سيناريو يخضع لشروط إنتاجية وفنية مختلفة. ولكي لا نظلم جميع المتفرجين، ينبغي أن أسارع بالقول إلى وجود مشاهدين متميزين، وآخرين عمدوا إلى قراءة "ساق البامبو" ومضاهاتها بالمسلسل ليتعرفوا على مصير الشخصيات والمآلات التي تصرّف بها السيناريو وبدت لهم غير مقبولة، وتمثل ذلك حصريا بالرواية خبر موت البطل الأب (راشد) بينما أكسبته حلقات المسلسل الأولى أملا بالعودة إلى الحياة.

حسنا، تقديريا كان من المتوقع عندي أن تتحول الرواية إلى عمل درامي، فقد ضمنت عناصر نجاحها كمسلسل، من ذلك طبيعة المغامرة في قضيّة سياسية واجتماعية حساسة جدا هي قضية (البدون) والمعالجة دنت من هذه الإشكالية التي جسدتها شخصية (غسان) الحالم بالحبّ وبالعدالة الاجتماعية المفقودين. ومن جهة ثانية، لا يجب أن نتجاهل دور العمالة الأجنبية في حياة الأسرة الخليجية ومدى تغلغلها لتشكل مقوما مركزيا للحياة وللمدنية. ما يجعل هذا المسلسل يستحق المتابعة، أنه يعمد إلى إبراز التناقض الذي تعيشه مجتمعات الخليج، والفارق بين ما تؤمن به وما تعلنه. وإذّ يبتعد المسلسل عن الدراما الاجتماعية للأسرة الخليجية والمشكلات المتكررة التي درج الكتّاب والكاتبات على تناولها كالطلاق والفساد والسحر والمخدرات، يظل ساق البامبو يتحرك بعيدا عن تلك القضايا، ليحقق كما أعتقد أعلى نسبة مشاهدة بين المسلسلات الخليجية المعروضة، والفضل في ذلك كله يعود للرواية، وسيظل المسلسل بعد انتهاء عرضه نموذجا جيدا لاعتماد الدراما على الأدب.

تعليق عبر الفيس بوك