البلسم الشافي (الجزء الرابع) (5)

حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني*

أيها الكرماء، ذكرنا في نهاية لقائنا الماضي الآيات (28-50) من سورة الحجر التي تحدثت عن موقف إبليس اللعين من أبينا آدم -عليه السلام-، وكيف توعده وذريته بالإغواء والإضلال ليتنكبوا صراط الله المستقيم، وطلب من الله الإمهال إلى يوم الدين لأجل ذلك، وكيف أنّ الله أنظره، وبين من سيتبعه ومن لا يتبعه، ومصير كل فريق يوم القيامة.

وبهذا يتبين أنّ السلف الصالح قد أخلص في مجاهدة نفسه ليتغلب - بتوفيق من الله تعالى وفضل- على دواعي الهوى، وليتخلص من حبائل الشيطان، وليُحافظ على خط سيره في عبادة الله - تبارك وتعالى- وحده مستقيماً من خلال اتباع صراطه السوي: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [سورة مريم:36].

وقد ذكر الله -عزّ وجلّ- كذلك قصة أبوينا آدم وحواء -عليهما السلام- في سورة (طه)، وكيف أنّ الشيطان كان سببًا رئيسًا في إخراجهما من الجنة بإغرائه وتزيينه، وكيف كانت العاقبة، وبماذا أمرهما الله، ثم خوف الله المكذبين بدعوة النبي الخاتم محمد - صلى الله عليه وآله وسلم- من نزول العذاب عليهم كما وقع على السابقين المعرضين عن صراطه القويم والذين يمشون في مساكنهم، ثم أمر النبي الأكرم -عليه الصلاة والسلام- بمجموعة من الأوامر التي فيها التزام بالصراط السوي من صبر وذكر ورغبة فيما عند الله -عزّ وجلّ- وأمر للأهل بالصلاة والاصطبار عليها وغيرها من الأمور التي هي من مُقتضيات الاستقامة على درب الله والثبات عليه، ولنركز كيف ختم الله - تجلت قدرته- تلك الآيات: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا. وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى. فَقُلْنَا يَا آَدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى. فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى. فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى. قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى. وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى. وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى. أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى. وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى. فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى. وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى. وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى. وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى. وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى. قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى) [سورة طه: 115-135].

وهذا كله يُبين مدى عداوة الشيطان لبني البشر، وكيف أن مسلكه في الإغواء والتزيين والإضلال والصد عن سبيل الله ومنهجه متأصل فيه منذ القدم، وهذا واضح من خلال قصة البشرية الأولى وكيف بدأ ذلك معهم؛ بل توعد أباهم قبل خلقه - كما بين القرآن الكريم ذلك في مواضع أخرى-؛ فهلا تنبهنا لذلك.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم، والمشرف العام لمسابقة رتل وارتق للقرآن الكريم

تعليق عبر الفيس بوك