عن دراما الغائبين

نظرة

آمنة الربيع

الدراما شيء إنسانيّ بامتياز. تجعلنا نتأثر ونتخذ قرارات مهمّة. قد تجعلنا في أعلى عليين فتسمو بأرواحنا وتصعد بها إلى الذرى. أو تهوي بنا إلى أسفل سافلين، فنكون منحطين ولا أخلاقيين. ولأنّها إنسانيّة التكوين فهي أقرب ما تكون إلى عواطفنا. إنسانيّة الدراما تتجسد من خلال عناصرها؛ الفكرة التي ستقدمها، والسيناريو الذي سيهندسها، والممثل الذي سيؤديها دراميًا، والمخرج الذي سيخرجها برؤية إخراجية نثرا وشعرا.

في دراما شهر رمضان لهذا العام تتنافس الأعمال الفنية من المحيط إلى الخليج. وإذا كانت الدراما حاضرة بقوة من خلال بعض المسلسلات التي يمكن ترشيحها لاستحقاقها المشاهدة والمتابعة، بما تطرحه من قيم ومتع فكرية وإنسانية وجمالية عديدة، فإنّ الغياب بمعناه البيولوجي والفيزيائي يتمدد كذلك ويحضر بقوة، كغياب بعض الأسماء الفنيّة اللامعة التي رحلت عن دنيانا.

عندما نتكلم عن غياب مؤلف للدراما أو فنان بسبب الموت نكون قد اقتربنا بمسافة من مدى الدرامية التي نحياها في حياتنا. لعلّنا كلنا قد تساءلنا ما الذي سيقدمه لنا مسلسل ليالي الحلميّة في جزئه السادس بعد ثلاثين عاما من الغياب والمؤلف الأصلي أسامة أنور عكاشة لم يعد موجودا معنا؟ إنّ غيابه تحديدا أجدر بالتناول من منطلق أنه قد فتننا في الأجزاء التي كتبها وتمتع بالمسؤولية الكاملة تجاه أحداثها، وتجاه ذاكرتنا، بينما لو تناولنا السؤال نفسه عن نجيب محفوظ في روايته أفراح القبة والتي تعرض حاليًا كمسلسل بتوقيع المخرج محمد ياسين وسيناريو وحوار نشوى زايد فالأثر حسب تقديري سيكون بمستوى مقبول، لأننا عرفنا محفوظ وخبرناه روائيا، وليس كاتب سيناريست كحال أسامة.

وعن مقدار الدرامية التي نحياها في حياتنا لا شك ونسأل أنفسنا: ما الذي جعل حياة أسامة أنور عكاشة درامية؟ معذرة؛ السؤال لا يُطرح بهذه الفجاجة، فضلا عن أنه سؤال مغلوط. سأصيغ سؤالي السابق بهيئة أخرى: ما الذي جعل حياة علي البدري التي جسدها الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم درامية؟ يمكن القول بأن علي البدري كان بطلا وضحية. ويمكن الجدل حول ذلك بحديث طويل، كأن نقول إن صفات البطولة في الشخصية عبّر عنها عكاشة عندما جعله بطلا حالما وعاشقا نبيلا وإنسانا مظلوما من حبيبته ومن التربية المزدوجة التي تربى عليها متنقلا بين حياتين متناقضتين. أما عن كونه ضحية فذلك شاهدناه وحلقات ليالي الحلمية في أجزائها الخمسة تستعرض مرحلة تاريخية لتاريخ مصر الحديثة، وظهر ذلك في شخصيّة علي البدري الشاب الذي كونته الحياة السياسية والحزبية في حي شعبي بسيط بالحلمية بمجمل أفكار ومبادئ الاشتراكية التي آمن بها شباب جيله، لتتلقفه فيما بعد حياة الأرستقراطيين والتجار المتنفذين، فتحول إلى كائن مشوه في داخله ولا أخلاقي.

هل سأطمئن إلى هذه النتيجة؟ أن حياة الفنان ممدوح عبد العليم كانت درامية منذ جسد شخصية علي البدري وحتى لحظة وفاته في 5 يناير 2016؟ تبدو قصة خبر وفاته صادمة، "توفي في أثناء ممارسته للتمارين الرياضية في صالة جيم...إلخ"، وقيل قبل هذا الخبر إنه كان يستعد لتأدية دوره في الجزء الحالي للمسلسل!

من السهل القول إنّ الحياة تخلو من الدراما، ولكن الفكرة القائلة إنّ كتابة الدراما أصعب من الحياة نفسها فلها من يدافع عنها، وسأكون في طليعة المدافعين، إذ يمكن القول إنّ أسامة كتب محاولا في شخصية علي البدري أن يقول كل شيء عن صراع الدراما وتعارض الأضداد، كما كان يعلم أيضا أن الشخصية الفنية سيطرأ عليها التحول والتطور بحكم الزمنية، أما أن تنتهي حياة الشخصية الفنية في تمرين رياضي، فأشبه ما يفتح شهية المؤلف المتورط لكي يجد تبريرًا لامتداد الكلام عن دراما الغائبين قسرا.

تعليق عبر الفيس بوك