الفارون من الموت إلى الموت!

تتصاعد يومًا بعد الآخر أعداد المهاجرين الذين يلقون حتفهم غرقًا في قاع البحر الأبيض المتوسط، في مفارقة عجيبة تُبرز الاختلالات التي يُعاني منها العالم اليوم.. فهؤلاء هربوا من الموت فقرًا أو قتلاً في الصراعات التي ضربت بلدانهم، لكنهم هربوا في حقيقة الأمر من موت إلى موت آخر!.

إن الإحصاءات التي تأتي تترى من المنظمات والهيئات الدولية بشأن أعداد المُهاجرين الذين يقضون في أعماق البحر مخيفة وتعكس غفلة حقيقية للضمير العالمي واختلال الموازين الإنسانية.. فالويلات التي تعاني منها بلدان في أفريقيا وآسيا تتفاقم مع عمليات التسليح المُكثف في صفقات بمليارات الدولارت تجنيها دول أوروبا وأمريكا. فمن المُفزع أن تذكر الأمم المتحدة أن فيما يربو على 10 آلاف مُهاجر غرقوا في البحر المتوسط منذ العام 2014، وتحديدًا 3500 شخص في عام 2014، و3771 في 2015 وبجانبهم 2814 قتيلاً منذ مطلع العام الجاري، علاوة على بعض المئات المفقدوين الذين لم يتم العثور على جثثهم حتى الآن.

والمُتفحص في حقيقة هذه الأرقام، يُدرك يقينًا أنّ هؤلاء الضحايا وقعوا فريسة بين قطبي الرحى؛ نزاعات وحروب أهلية تضرب بلدانهم من جهة، وعصابات الاتجار بالبشر التي تتاجر بأرواحهم مُقابل آلاف الدولارات، فتزج بالعشرات في قوارب مطاطية لا تستطيع مقاومة الأمواج العاتية في فينتهي المآل إلى غرق في ظلمات فوق بعض من المياه الزرقاء.

إنّ المآسي التي تتناقلها الهيئات والمنظمات المعنية تستدعي الحاجة الماسة لضرورة معالجة هذه القضية؛ إذ إنّ أجيالاً كاملة ستحيا دون أب أو أم، وزوجات ثكلى سيظللن يعانين غياب الزوج، وعائلات بأكلمها لم يكتب لها النجاة سوى طفل رضيع نجا بعناية إلهية. ومعالجة هذه الأزمة المستفحلة تتطلب العمل على محورين؛ الأول دعم جهود السلام في البلدان التي يأتي منها المهاجرون، للحيلولة دون زيادة موجات العنف التي تضرب هذه الدول. أما المحور الثاني فيتمثل في تكثيف جهود الإغاثة في البحر المتوسط بالتزامن مع حشد الدعم الدولي للاجئين في دول جنوب أوروبا، ووأد محاولات التمييز العنصري بحق اللاجئين والتي تتصاعد من أفواه اليمين المتطرف.

تعليق عبر الفيس بوك