تداخل السلطات

علي بن كفيتان بيت سعيد

الكثيرُ من الناس يُدركون أنَّ هناك ثلاث سلطات في أي بلد؛ هي: السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، إلا أنَّ المعضلة الأكبر تكمٌن في درجة استقلالية أي من السلطات الثلاث عن الأخرى، ومن الصعب القول بوجود استقلالية تامة، لكن هناك استقلالية نسبية.

تأتي السلطة التشريعية على رأس هرم السلطات الثلاث؛ كونها مُنتخَبَة من الشعب ويناط بها اقتراح ومراجعة مشاريع القوانين التي تنظم حياة الناس في الدولة؛ فالمجتمع لا بد أن تحكمه جُملة من التشريعات والقوانين، ولعلَّ اختيار الشعب لممثليهم في هذه السلطة هو موافقة مباشرة منهم على أي قوانين أو تشريعات يقرها الأعضاء، وهنا تنتفي صفة إجراء استفتاء على أي قانون لأن الأعضاء هم ممثلو الشعب. يُناط كذلك بهذه السلطة في بعض الأحيان جانب رقابي على آلية تنفيذ القوانين. وهنا، يجب القول بوجوب معرفة أعضاء هذه المجالس بواجبهم الأساسي، وأنْ لا يحيدوا عنه؛ إذ نرى في بعض نقاشات مجلس الشورى مع أصحاب المعالي الوزراء وغيرهم ممن يحضرون تحت قبة المجلس خروجًا عن هذا الواجب، فتجد الأعضاء يتَّحدثون عن طلبات خدمية لا تمُت بصلة للجانب التشريعي، وهذه ظاهرة ليست إيجابية في مجلس كنا ننتظر منه الكثير في مراجعة القوانين القديمة واقتراح مشاريع قوانين جديدة تتواكب مع روح العصر.

... إنَّ المتتبِّع لهذه النقاشات -وأنا منهم- يجدها عقيمة؛ فهناك عضو يطالب بشارع وآخر يطالب ببناء مدرسة وثالث بمستوصف صحي...وغيرها، كذلك من الملاحظ أن أصحاب المعالي يُحبِّذون ذلك النهج فبناء مدرسة أو أي مرفق خدمي آخر هي في الأصل من ضمن اختصاصاته التنفيذية، وعندما يُوافق فهو لا يمنح الجديد لسعادة العضو، وعندما يرفض الطلب فهذا من حقه كون العضو ليس معنيًّا بطلب الخدمات، وعندما يكون معاليه أكثر كرما ويعد بدراسة الطلب فهي نوع من الكياسة والدبلوماسية معا. نَمَا إلى علمنا، مؤخرا، أنَّ هناك دورة تدريبية لأعضاء مجلس الشورى والدولة تتعلق بالية التعامل مع هذا النوع من المناصب وهذا بلا شك لفتة طيبة.

أمَّا السلطة التنفيذية؛ فهي من يقوم بتنفيذ ما يصدر من قوانين عبر السلطة التشريعية.. وهنا تأتي أهمية أن تكون السلطة التشريعية قادرة على تبني القوانين ومتابعة تنفيذها عبر السلطة التنفيذية، لا أن يكون العكس، ففي حالة ضعف المجالس التشريعية يكون هناك نشاط زائد في السلطة التنفيذية؛ بحيث تقوم هي بواجبات السلطتين، وهنا يحدث ما يسمى بـ"تداخل السلطات" فيصبح ممثل الشعب ممرًا آمنًا لتسهيل عبور القوانين والاتفاقيات.

قلنا في أكثر من مناسبة إنَّ التجربة العُمانية تنمو، وهذا ما كنا نطمح له، إلا أنه وبعد مرور أكثر من عقدين على التجربة الشورية، لا يزال مستوى أدائها دون السقف الذي يترقبه المواطن، وهنا يجب أن نتساءل: أين نقطة الضعف؟ هل هي في عدم منح صلاحيات أم في ضعف مستوى المرشحين الذين أفرزهم المجتمع نفسه ويطلب منهم فيما بعد أشياء خارج نطاق قدراتهم؟ وفي هذه الحالة يُلام من دفع بهم لقُبَّة المجلس، وما على الحكومة سوى معالجة هذا العوج الاجتماعي، وسنظل لحقب أخرى على هذا الوضع ما دامت عقليتنا تنتقي على أسس قبلية أو مادية أو حتى علمية بحتة. وعلى الجانب الآخر، يجب أن يحظى المجلس بصلاحيات واسعة غير مقيدة يستطيع من خلالها الوفاء بحقوق المجتمع.

ثالث الأثافي: السلطة القضائية؛ وهي من يحرص بكل حيادية على تنفيذ القوانين والتشريعات التي أنتجها مطبخ ممثلي الشعب، ويجب أن تحظى السلطة القضائية بثقة واحترام الجميع؛ من خلال سجلها الناصع في تطبيق القوانين عبر ادعاء عام شفاف ونزيه يستطيع أن يبعد بالمسافة نفسها بين طرفي التقاضي؛ كونه يُمثل قاعدة المؤسسات القضائية التي تبني القضايا وتقيمها وتدفع بها لأروقة المحاكم، ولعل المتتبع لتجربة الادعاء العام يرى أنها تطوَّرتْ بشكل كبير بعد أن كانت تحت عباءة السلطة التنفيذية "الشرطة" لفترة انتقالية ربما هذه التجربة لا تزال بحاجة للمزيد من النضوج، ولا شك أنَّ الأيام كفيلة بذلك في ظل السعي الحثيث لترسيخ مبدأ سيادة دولة المؤسسات التي تنتهجها السلطنة بكل حيادية وشفافية بقيادة مولانا جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه.

وتظل ظاهرة تداخل السلطات قائمة في كثير من البلدان حتى الأكثر ديمقراطية، لكنَّ الفارق يكمن في نسبة التداخل، فكلما زاد انعكس ذلك سلبا على أداء الخدمات المقدمة للمجتمع والعكس صحيح.. حفظ الله عمان، وأدام على جلالة السلطان نعمة الصحة والعافية.

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك